ثم في الحركة في سبيل الله أنواع من الفوائد :
إحداها : طمأنينة قلوب أهل البلاد حتى يعمروا ويزدرعوا ، وإلا فما دامت القلوب خائفة لا يستقيم الحال .
[ ص: 305 ]
الثانية : أن البلاد الشمالية
كحلب ونحوها فيها خير كثير ورزق عظيم ينتفع به العسكر .
الفائدة الثالثة : أنه يقوي قلوب المسلمين في تلك البلاد من الأعوان والنصحاء ، ويزداد العدو رعبا . وإن لم تحصل حركة فترت القلوب ، وربما انقلب قوم فصاروا مع العدو ، فإن الناس مع القائم .
ولما جاء العسكر إلى
الشام كان فيه مصلحة عظيمة ، ولو تقدم بعضهم إلى الثغر كان في غاية الجودة .
الفائدة الرابعة : أنهم إن ساروا أو بعضهم حتى يأخذوا ما في بلد
الجزيرة من الإقامات والأموال السلطانية من غير إيذاء المسلمين كان من أعظم الفوائد ، وإن ساروا قاطنين متمكنين نزلت إليهم أمراء تلك البلاد من أهل الأمصار والجبال ، واجتمعت جنود عظيمة ، فإن غالب أهل البلاد قلوبهم مع المسلمين ، إلا الكفار من النصارى ونحوهم ، وإلا
الروافض ، فإن
أكثر الروافض ونحوهم من أهل البدع هواهم مع العدو ، فإنهم أظهروا السرور بانكسار عسكر المسلمين ، وأظهروا الشماتة بجمهور المسلمين . وهذا معروف لهم من نوبة
بغداد وحلب ، وهذه النوبة أيضا ، كما فعل أهل الجبل الجرد والكسروان ، ولهذا خرجنا في غزوهم لما خرج إليهم العسكر ، وكان في ذلك خيرة عظيمة للمسلمين .
فإذا كانت عامه القلوب هناك وهنا مع هذا العسكر المنصور ، وقد أقامه الله سبحانه وأيده وأمده بنعمته على
محمد وأمته ، وقلوب العدو في غاية الرعب منه ، والله لقد رأى الداعي من رعبهم ما لا
[ ص: 306 ] يوصف ، حتى إن وزيرهم
يحيى قال قدام الداعي ومولاي يسمع : واحد منكم يغلب ستة من هؤلاء ، وهكذا يخبر القادمون من هناك أنهم مرعوبون جدا ، فمن نعمة الله على المسلمين أن ييسر غزاة ينصر الله بها دينه هنا وهناك . وما ذلك على الله بعزيز .
وليس من شريعة الإسلام أن المسلمين ينتظرون عدوهم حتى يقدم عليهم ، هذا لم يأمر الله به ولا رسوله ولا المسلمون ، ولكن يجب على المسلمين أن يقصدوهم للجهاد في سبيل الله ، وإن بدأوا هم بالحركة فلا يجوز تمكينهم حتى يعبروا ديار المسلمين ، بل الواجب تقدم العساكر الإسلامية إلى ثغور المسلمين ، فالله تعالى يختار للمسلمين في جميع الأمور ما فيه صلاح الدنيا والآخرة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله وحده ، وصلى الله على
محمد عبده ورسوله .