وقد يكون واجبا إذا أفضى تركه إلى زوال الإيمان من القلوب وغلبة الكفر عليها وهي الفتنة ، فإن الفتنة أشد من القتل . فإذا كان بترك القتل يحصل من الكفر ما لا يحصل بالقتل ، وبالقتل يحصل من الإيمان ما لا يحصل بتركه ترجح القتل واجبا تارة ومستحبا أخرى . وكثيرا ما يكون ذلك تخويفا به فيجب الصبر على ذلك .
ففي هذا الحديث أنه قتل جليس الملك والراهب بالمناشير ، ولم يرجعا عن الإيمان . وكذلك أهل الأخدود صبروا على التحريق بالنار ولم يرجعوا عن الإيمان . وأما الغلام فإنه أمر بقتل نفسه لما علم أن ذلك يوجب ظهور الإيمان في الناس ، والذي يصبر [حتى] يقتل أو يحمل حتى يقتل لأن في ذلك ظهور الإيمان من هذا الباب .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال لهم ذلك آمرا لهم بالصبر على أذى الكفار ، وإن بلغوا بهم إلى حد القتل صبرا ، كما قتلوا المؤمنين صبرا; [ ص: 335 ] ومدحا لمن يصبر على الإيمان حتى يقتل .
(والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . تمت بعونه تعالى في 25 محرم 1319) . [ ص: 336 ]