وأما حال المسايفة فللفقهاء ثلاثة أقوال :
أحدها : وهو قول الجمهور ، أنهم يصلون بحسب حالهم مع المقابلة; وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره وظاهر مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
والثاني : أنهم يؤخرون الصلاة; وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة .
والثالث : أنهم يخيرون بين الأمرين وهو أحد الروايتين عن أحمد .
وقوله تعالى :
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا هو مع ما قد ثبت في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=652714عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال عام الخندق : "شغلونا عن الصلاة الوسطى [ ص: 354 ] صلاة العصر حتى غربت الشمس ، ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا"; قد احتج به وبغيره على أن
تأخير الصلاة في حال الخوف منسوخ بهذه الآية .
وأجابوا بذلك عما احتج به من جوز الأمرين من قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه
nindex.php?page=hadith&LINKID=650894عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال : "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" ، فصلى قوم في الطريق وقالوا : لم يرد منا تفويت الصلاة ، وأخر قوم الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة ، وقد فاتتهم الصلاة ، فلم يعنف النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدة من الطائفتين . فهذا الحديث حجة في جواز الأمرين ، لكن قال أولئك : [إنه] منسوخ بالآية .
فقد تبين أن الصلاة لما كانت أوكد من الجهاد; فإنها عند مزاحمة الجهاد لها أخف ، حتى لا تفوت مصلحة الجهاد ، وقد يحصل من الفساد بترك الجهاد وقت الضرورة ما لا يمكن تلافيه .
وهذا أيضا كالحج وإن كان دون الصلاة باتفاق المسلمين . فإذا تضيق وقته وازدحم هو والمقصود ، مثل أن يكون ليلة النحر وهي ليلة
عرفة ذاهبا إلى
عرفة; فإن صلى صلاة مستقر فاته الوقوف ، وإن سار ليدرك
عرفة قبل طلوع الفجر فاتته الصلاة . فللفقهاء ثلاثة أقوال : قيل : يقدم الوقوف; لأن عليه من تفويت الحج ضررا عظيما .
وقيل : بل يقدم الصلاة لأنها أوكد .
[ ص: 355 ]
وقيل : بل يأتي بهما جميعا ، فيصلي بحسب الإمكان صلاة لا تفوته الوقوف . وهذا أعدل الأقوال ، وهو قول طائفة من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهما .
والعلماء متفقون على أن
الخائف المطلوب يصلي صلاة خائف .
فأما الطالب فتنازعوا فيه ، وفيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد روايتان : إحداهما أنه يصلي أيضا صلاة الخوف . كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن
nindex.php?page=showalam&ids=11998كأبي داود nindex.php?page=hadith&LINKID=672981عن عبد الله بن أنيس قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خالد بن سفيان الهذلي ، وكان نحو عرنة وعرفات ، فقال : اذهب فاقتله . قال : فرأيته وحضرت الصلاة صلاة العصر فقلت : إني أخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصلاة . فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه . فلما دنوت منه قال لي : من أنت؟
قلت : رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل ، فجئتك في ذاك ، قال : إني لفي ذاك . فمشيت معه ساعة ، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد .
ومن قال هذا القول راعى أن مصلحة الجهاد مأمور بها أيضا ، فلا يمكن تفويت إحداهما ، وإن لم يكن من تفويت الجهاد في هذا الوقت مفسدة ظاهرة كما أنه ليس في
تأخير الصلاة مفسدة ظاهرة .
ولو كان تكميل الصلاة مقدما على الجهاد لكان ينبغي أن يترك الجهاد إذا علم أنه لا بد فيه من تحقيق الصلاة .