وأما إطلاق لفظ "اللذة" فقد أطلقه قوم من أتباع الأوائل ومن هذه الأمة المتفلسفة وغيرهم، كما أطلقوا لفظ "العشق"، وهو بالمعنى الذي فسروه به ليس بباطل، لكن اتباع الألفاظ الشرعية في هذا الباب من الأدب المشروع لنا، إما إيجابا وإما استحبابا، فإذا تركنا إطلاق هذا اللفظ مع صحة المعنى، فلعدم جواز الخروج عن الألفاظ الشرعية في هذا الباب، أو لاستحباب ترك الخروج عن الألفاظ الشرعية في هذا الباب.
[ ص: 66 ]
وأما إذا كان اللفظ فيه إجمال، فإطلاقه بلا تفسير ممنوع منه، لما فيه من إضلال المستمع، وتنفير القلوب الصحيحة، ولعدم دلالته على المعنى المقصود إلا بعد مقدمات غير مذكورة، لكن هؤلاء يجعلون ذلك متعلقا بنفسه فقط، فيقولون: هو عاشق ومحب لنفسه، ويلتذ ويبتهج بها، أو
الذي جاءت به الكتب والرسل أن حكم ذلك يتصل بعباده الصالحين، فيحبهم ويرضى عنهم ويفرح بتوبتهم، وإلى هذا دعت الرسل، وفيه نزلت الكتب. والقرآن والإيمان يفرقان بين من يحبه ويبغضه، ويرضاه ويسخطه، ويوده ويمقته، وبذلك حصل الفرق بين أولياء الله وأعدائه. وأولئك المتفلسفة لا يصعدون إلى هذا، فإنهم صابئة، وغالبهم عباد لغير ذلك من العلويات والسفليات إلا من هداه الله، فآمن بالله واليوم الآخر، قال الله تعالى:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وأما كون ذلك مستلزما للحدث أو الإمكان فلا دليل عليه البتة، بل عامة الصفات الثابتة قد يقال فيها مثل ذلك. ومن أثبت شيئا من الصفات مثل إرادة قائمة، يورد عليه مثل ذلك، بل نفس إثبات كونه خالقا وآمرا بالدين، يورد عليه مثل ذلك، وهو إيراد فاسد، لأن مبناه على قياس الله على ابن آدم، الذي كان معدوما ثم وجد، ولا وجود له
[ ص: 67 ] من نفسه، وإنما وجوده بخالقه،
والله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا يجوز ضرب المثل له من مخلوقاته.
وإذا تبين أن
الإرادة نوعان: منها ما هو بمقتضى الربوبية، وهي الإرادة الكونية، ومنها ما هو بمقتضى الإلهية، وهي الإرادة الدينية، فالأولى إرادة فاعلية، والثانية إرادة غائية، الأولى من اسمه الأول، والثانية من اسمه الآخر، الأولى يكون الرب بها مريدا والعبد مرادا إرادة تكوين وربوبية، ولذلك قد يكون مريدا، والثانية يكون الرب بها مريدا إرادة حب ورضى وإلهية، والعبد أيضا مريدا إرادة عبادة وديانة وإنابة وإرادة وقصد، وقد يكون بها مرادا إرادة ربوبية إذا حصل ذلك.
تمت هذه القاعدة بحمد الله وعونه، والحمد لله وحده.
[ ص: 68 ]