[ ص: 128 ] والحركة الصادرة عن إرادة إما أن تكون الإرادة أحدثها ذلك المتحرك أو غيره من المخلوقات، لا يجوز أن يكون هو المحدث لها، ولا غيره من المخلوقات، لأن إحداثه لها يجب أن يكون بإرادة، فيلزم الدور والتسلسل، فوجب أن تكون تلك الإرادة المقتضية للحركة حدثت بإرادة من الله، وهذا هو المقصود.
وأيضا فمن المعلوم أن كل واحد من ذوي الحركات المختلفة السماوية له حركة تخصه، فلا يجوز أن تكون حركة أحدهما بحركة الآخر، كحركة الشمس والقمر الخاصتين بهما، فتبين أنه ليس بعضها خالقا لبعض ومحدثا لحركته، فيكون المحدث لذلك غيرها، وهو المقصود.
ولا يجوز أيضا أن يكون المحدث لذلك هو الفلك الأعلى وحركته، لأنها حركة واحدة بسيطة متشابهة الأجزاء، ولو كانت هي المحدثة لما سواها لوجب أن تكون جميع الحركات من جنس واحد بسيطة، ومعلوم أن الأمر ليس كذلك، وهذا يبين أن حركات الأفلاك والكواكب الحركات المختلفة ليست صادرة عن الفلك، فعلم أن المحرك لها غير الفلك، وإذا ثبت أن المحرك لها غير الفلك التاسع، ثبت وجود موجود غير الفلك التاسع يكون مبدأ الحركات.
ومعلوم أن حركة الفلك التاسع من جنس هذه الحركات، بل الفلك من جنس هذه الأفلاك، فإذا كانت هذه محدثة مخلوقة امتنع أن لا يكون الفلك التاسع وحركته محدثة مخلوقة، لأن القديم الواجب الوجود لا يكون مثل المخلوق المحدث، ولأن الفلك التاسع لو كان
[ ص: 129 ] وحده قديما واجبا- وهو أيضا محرك للأفلاك، ولهذا أيضا حركته من غيره- لكان في الأفلاك محركان كل منهما قديم واجب الوجود، فإن اختلفا في الإرادة لزم تضاد الحركات والتمانع، وهو خلاف الواقع. وإن اتفقا في الإرادة لزم اتفاقهما في الفعل، والاتفاق في الفعل يوجب أن لا يكون أحدهما فاعلا له مستقلا به، لا هذا ولا هذا، وإذا كان ذلك يوجب عجز كل منهما عن أن يكون فاعلا- والعاجز يمتنع أن يكون قديما واجب الوجود خالقا- امتنع أن يكون الفلك كذلك.
[ ص: 130 ]