وإذا كان قصر العدد أمرا معلقا بالسفر يثبت به ولا يثبت بدونه كان السفر هو المؤثر في قصر العدد، فأما النسك فلا تأثير له في قصر العدد، بل
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقصر قبل أن يحرم بالحج هو وأصحابه، ولم يزل يقصر إلى أن رجع إلى
المدينة، فقصر قبل إحرامه وبعد تحلله، وقصر معه
أهل مكة، كما قصر معه سائر من حج معه. فعلم أن ذلك كان لأجل سفرهم من
مكة إلى
عرفة، لا لكونهم حجاجا. ولهذا لو أحرموا بالحج وهم مقيمون
بمكة لم يجز لهم القصر عند أحد من العلماء، فعلم أن ذلك لم يكن لأجل النسك. فمن جعل قصر النبي - صلى الله عليه وسلم -
بعرفة ومزدلفة ومنى إنما كان لأجل النسك لا السفر فقد علق الحكم
[ ص: 330 ] بوصف عديم التأثير فيه، ولم يعلقه بالوصف المؤثر فيه بالنص والإجماع.
ولهذا نظائر يغلط فيها من يعلق الحكم بالوصف الذي لم يؤثر فيه، دون الوصف المؤثر فيه، كمن علق على
استئذان الصغيرة في النكاح بالبكارة دون الصغر، وهذا خلاف النصوص والأصول، فإنها إنما علقت ذلك بالصغر، فأما البكارة فإنما علقت بها صفة الاستئذان فقط، وهو كون سكوتها إقرارها. وكذلك من علق بعض الأحكام في الطلاق والخلع والكناية أو غير ذلك بكونه تعليقا بشرط، وفرق بين أن يكون العقد بصيغة تعليق أو بغير صيغة تعليق. وهذا ربط الحكم بوصف عديم التأثير في الكتاب والسنة، وإنما ربط الله الأحكام بمعاني الأسماء المذكورة في النص، مثل كونها طلاقا وخلعا وكناية ويمينا وغير ذلك، فما كان من هذا النوع علق حكم ذلك به، سواء كان بصيغة الشرط، وإن لم يكن من هذا النوع لم يدخل فيه بأي صيغة كان.