فإن قيل: المطلق كان يعتقد وقوع الطلاق بالثلاث.
قيل: كما كان يعتقد إباحته.
ولم ينقل أحد بإسناد ثابت أن أحدا طلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة، وهي ممن يباح له إمساكها، فأوقع به النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد روى طائفة من المصنفين في الحديث والفقه والخلاف أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أهل العلم بالحديث، فلا حاجة إلى ذكرها، ولكن الذي يظن أن فيه حجة ثلاثة أحاديث:
حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11129فاطمة بنت قيس، ففي رواية غير واحد أنها قالت: طلقني ثلاثا ، وفي لفظ بعضهم: طلقني البتة . ولكن هذا مجمل فسره ما ثبت في الصحيح من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
أبي سلمة وعبيد الله عنها أن زوجها
أبا حفص بن المغيرة خرج مع
nindex.php?page=showalam&ids=8علي إلى
اليمن، وأرسل إليها بتطليقة كانت بقيت من طلاقها.
[ ص: 313 ]
والثاني: حديث
العجلاني ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12510أبو بكر بن أبي عاصم لما ذكر اختلافهم في طلاق
العجلاني: قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس في حديثه: فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12374إبراهيم بن سعد: ففارقها، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق: هي طلاق البتة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب: ففارقها، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي: ففارقها، وقال
عقيل: ثم فارقها. ولم ينقل عنه لفظ طلاق، بل قال: كذبت عليها إن أمسكتها، ولكن الراوي عبر عن مفارقته إياها بهذه الألفاظ التي تدل على أنه فارقها فراقا باتا قبل أن يؤمر بذلك، فإن كان الراوي عبر عن مفارقته بقوله "طلقها ثلاثا" - لأن مقصوده أنه حرمها عليه - فليس فيه حجة; وإن كان هو تكلم بلفظ الطلاق بقوله "طلقها ثلاثا" قد يراد به مفرقة، كقوله: هي طالق، هي طالق، هي طالق، كما في حديث فاطمة وغيرها أن زوجها طلقها ثلاثا، وكان المراد ثلاثا مفرقات، فلا حجة فيه أيضا; وإن قال: "هي طالق ثلاثا" فلا حجة فيه أيضا، كما سنذكره.
والثالث: حديث امرأة رفاعة ، وهو أيضا لفظ مجمل، فقد يكون الطلاق الثلاث وقع مفرقا، كما وقع في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11129فاطمة بنت قيس.
بل وأما حديث البتة إن صح ففيه أنه أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 314 ] وقال: ما أردت إلا واحدة، وأنه استحلفه ما أردت إلا واحدة.
ومنطوق هذا لا حجة فيه، لأنه إذا لم يرد إلا واحدة لم يقع به إلا واحدة. وفيه حجة على مسألة النزاع المشهورة بين الفقهاء. وأما مفهومه فمجمل، لو قال: أردت ثلاثا حتى كان يغضب عليه ويؤدبه لفعله المحرم الذي نهى عنه، كما غضب على غيره، ويؤخر إذنه له في الرجعة تأديبا له، أو كان يوقعها به. وليس في الحديث بيان لأحدهما، والطريق الآخر الذي هو أصح فإنه أوقع ثلاثا، ولا يجوز أن يثبت تحريم عام يلزم الأمة بمسكوت مجمل أو بحديث مضعف، قد عارضه ما هو أصح منه لا بيان فيه للوقوع، وإنما فيه الفرق بين أن يريد الواحدة أو أكثر، والفرق ثابت بدون إيقاع الثلاث.
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654857طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، فأراد زوجها الأول أن يتزوجها، فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "لا، حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول". وهذه هي قصة
تميمة التي تزوجها
رفاعة، وكان يدعي أنه وطئها.
وتطليقها ثلاثا قد يكون مفرقة، وقد يكون طلقها ثلاثا بكلمة واحدة، ولكن بانت بواحدة إذا لم يكن دخل بها. فليس فيه دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ذلك ثلاثا.
* * *
[ ص: 315 ]