وإذا قيل: خلق فعل العبد ثم جازاه عليه، فإنه ظلم.
قيل: هذا غلط، فإنه علم بصريح العقل واتفاق العقلاء أن مجازاة الإنسان بنظير عمله من الحكمة والعدل، وأنه لا يجوز التسوية بين العادل والظالم، والجاهل والمحسن والمسيء، بل هذا من الأمور المنزهة المستقبحة عند العقلاء.
ولهذا قال تعالى:
أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار [ص: 28]، وقال تعالى:
أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون [الجاثية: 21]، وقال تعالى:
أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون [القلم: 35 - 36]، وقال تعالى:
وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات [فاطر: 19 - 22]، وقال تعالى:
أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر: 9]، وقال تعالى:
أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [السجدة: 18].
[ ص: 390 ]
وسواء قدر أن أفعال العباد مخلوقة لله أو لم تكن، فإن كون العادل يستحق الإكرام، والظالم يستحق الذم والإهانة أمر فطر عليه بنو آدم، مع كونهم مفطورين على أن الله خالق كل شيء; ولهذا كان جماهير الأمم من العرب وغيرهم مقرين بهذا وهذا، وليس في فطرة أحد رفع الذم والعقاب عن الظالم مطلقا، لكن فعله مخلوق لله، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه. فوضع العقاب على من لم يسئ ظلم، والحكمة: وضع الشيء في موضعه، والله لا يظلم أحدا شيئا، ولا يجزي أحدا بظلم إلا بعمله.
وكونه خالقا لأعمال العباد من كمال قدرته ومشيئته وربوبيته، وجزاؤه بعلمه من كمال حكمته وعدله وربوبيته، وهو سبحانه له الملك وله الحمد، وله في ذلك من الحكمة البالغة ما لو جمعت عقول جميع العقلاء لم يدركوا غاية حكمته. وتوهم المتوهم إمكان حصول كمال الحكمة بدون ذلك ظن منه، وكلام بلا علم
إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا [السجدة:18].
* * *
في آخر النسخة ما نصه: « قال كاتبه: إلى هاهنا وجدت في نسخة الأصل، فاعلم ذلك، والله أعلم».
[ ص: 391 ]