صفحة جزء
27 - ( فصل )

ويجوز القضاء بشهادة النساء متفردات في غير الحدود والقصاص عند جماعة من الخلف والسلف . [ ص: 71 ]

قال أبو عبيد : حدثنا يزيد عن جرير بن حازم عن الزبير بن حريث عن أبي لبيد " أن سكرانا طلق امرأته ثلاثا ، فرفع ذلك إلى عمر ، وشهد عليه أربع نسوة ، ففرق بينهما عمر " .

حدثنا ابن أبي زائدة عن يزيد عن حجاج عن عطاء أنه أجاز شهادة النساء في النكاح .

حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن عون عن الشعبي عن شريح : أنه أجاز شهادة النساء في الطلاق . وإنما رواه أبو لبيد . ولم يدرك عمر .

وقد قال بعض الناس : تجوز شهادة النساء في الحدود . فالأقوال ثلاثة ، أرجحها : أنه تجوز شهادة النساء متفرقات فيما لا يطلع عليه الرجال غالبا .

قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : شهادة المرأة الواحدة في الرضاع تجوز ؟ قال : نعم .

وقال علي : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن شهادة المرأة الواحدة في الرضاع تجوز ؟ قال : نعم .

وكذلك قال في رواية الحسن بن ثواب ، ومحمد بن الحسن وأبي طالب ، وابن منصور ، ومهنا ، وحرب .

واحتج بحديث عقبة بن الحارث هذا . وقال هو حجة في شهادة العبد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادتها وهي أمة .

وقال أبو الحارث : سألت أحمد عن شهادة القابلة ؟ فقال : هو موضع لا يحضره الرجال ، ولكن إن كن اثنتين أو ثلاثا فهو أجود .

وقال في رواية إبراهيم بن هاشم - وقد سئل عن قول القابلة : أيقبل ؟ - قال : كلما كثر كان أعجب إلينا : ثلاث ، أو أربع .

وقال سندي : سألت أحمد عن شهادة امرأتين في الاستهلال ؟ فقال : يجوز ، إن هذا شيء لا ينظر إليه الرجال .

وقال مهنا : سألت أحمد عن شهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي ؟ فقال : لا تجوز شهادتها وحدها .

وقال لي أحمد بن حنبل ، قال أبو حنيفة : تجوز شهادة القابلة وحدها .

وإن كانت يهودية أو نصرانية .

فسألت أحمد فقلت : هو كما قال أبو حنيفة ؟ فقال : أنا لا أقول تجوز شهادة واحدة مسلمة ، فكيف أقول يهودية ؟ واختلفت الرواية عنه في الاستهلال : هل يكتفى فيه بواحدة أم لا بد من اثنتين ؟ وكذلك الولادة .

وقال أحمد بن القاسم : سئل أحمد عن - شهادة المرأة في الولادة والاستهلال ، هل تجوز امرأة أو امرأتان ؟ قال : امرأتان أو أكثر ، وليست الواحدة مثل الاثنتين .

وقد قال عطاء : أربع ، ولكن امرأتان تقبل في مثل هذا ، إذا كان في أمر النساء فيما لا يجوز أن يراه الرجال . [ ص: 72 ]

وقال أحمد بن أبي عبيدة : إن أبا عبد الله قيل له : فالشهادة على الاستهلال ؟ قال : أحب إلي أن يكون امرأتين .

وقال حرب : سئل أحمد ، قيل له : فالشهادة على الاستهلال ؟ قال : لا إلا أن تكون امرأتين . وكذلك كل شيء لا يطلع عليه الرجال لا تعجبه شهادة امرأة واحدة ، حتى تكون امرأتين .

وقال أبو طالب : قلت لأحمد : ما تقول في شهادة القابلة تشهد بالاستهلال ؟ فقال : تقبل شهادتها . وهذه ضرورة ، قال : ويقبل قول المرأة الواحدة .

وقال هارون الحمال : سمعت أبا عبد الله يذهب إلى أنه تجوز شهادة القابلة وحدها ، فقيل له : إذا كانت مرضية ؟ فقال : لا يكون إلا هكذا .

وقال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد : هل تجوز شهادة المرأة ؟ قال : شهادة المرأة في الرضاع والولادة فيما لا يطلع عليه الرجال ، قال : وأجوز شهادة امرأة واحدة إذا كانت ثقة ، فإن كان أكثر فهو أحب إلي .

وقال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد : هل تقبل شهادة الذمية على الاستهلال ؟ قال : لا ، وتقبل شهادة المرأة الواحدة إذا كانت مسلمة عدلة . 28 - ( فصل )

وفي هذا الباب حديثان وأثر وقياس فأحد الحديثين : متفق على صحته . وهو حديث عقبة بن الحارث . وقد تقدم .

والحديث الثاني : رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما من حديث أبي عبد الرحمن المدائني - وهو مجهول - عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة } .

وأما الأثر : فقال مهنا : سألت أحمد عن حديث علي رضي الله عنه : " أنه أجاز شهادة القابلة " عمن هو ؟ فقال : هو عن شعبة عن جابر الجعفي عن عبد الله بن يحيى عن علي . قلت : ورواه الثوري عن جابر .

وقال الشافعي : لو ثبت عن علي صرنا إليه ، ولكنه لا يثبت عنه .

وتناظر الشافعي ومحمد بن الحسن في هذه المسألة بحضرة الرشيد فقال له الشافعي : بأي شيء قضيت بشهادة القابلة وحدها ، حتى ورثت من خليفة ملك الدنيا مالا عظيما ؟ قال : بعلي بن أبي طالب [ ص: 73 ]

قال الشافعي : فقلت . فعلي إنما روى عنه رجل مجهول ، يقال له : عبد الله بن يحيى . وروى عن عبد الله : جابر الجعفي ، وكان يؤمن بالرجعة .

قال البيهقي : وقد روى سويد بن عبد العزيز ، عن غيلان بن جامع ، عن عطاء بن أبي مروان ، عن أبيه ، عن علي - وسويد هذا : ضعيف - قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : لو صحت شهادة القابلة عن علي لقلنا به . ولكن في إسناده خلل .

قلت : وقد رواه أبو عبيد ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن إسرائيل ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي ، ورواه عن الحسن وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان ، والحارث العكلي والضحاك .

وقد روي عن علي ما يدل على أنه لا يكتفي بشهادة المرأة الواحدة .

قال أبو عبيد : يروى عن علي بن أبي طالب : " أن رجلا أتاه ، فأخبره أن امرأة أتته ، فذكرت أنها أرضعته وامرأته ، فقال : ما كنت لأفرق بينك وبينها ، وأن تنزه خير لك ، قال : ثم أتى ابن عباس فسأله ؟ فقال له مثل ذلك .

قال : تحدثون عن ذلك بهذا عن حكام بن صالح عن قائد بن بكر عن علي وابن عباس .

حدثني علي بن معبد عن عبد الله بن عمرو ، عن الحارث الغنوي " أن رجلا من بني عامر تزوج امرأة من قومه ، فدخلت عليهما امرأة ، فقالت : الحمد لله ، والله لقد أرضعتكما ، وإنكما لابناي . فانقبض كل واحد منهما عن صاحبه ، فخرج الرجل حتى أتى المغيرة بن شعبة ، فأخبره بقول المرأة . فكتب فيه إلى عمر ، فكتب عمر : أن ادع الرجل والمرأة ، فإن كان لها بينة على ما ذكرت ففرق بينهما ، وإن لم يكن لها بينة فخل بين الرجل وبين امرأته ، إلا أن يتنزها ; ولو فتحنا هذا الباب للناس لم تشأ امرأة أن تفرق بين اثنين إلا فعلت " .

حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، قال : سمعت زيد بن أسلم يحدث : " أن عمر بن الخطاب لم يجز شهادة امرأة في الرضاع " .

حدثنا هاشم ، أخبرنا ابن أبي ليلى وحجاج عن عكرمة بن خالد : " أن عمر بن الخطاب أتي في امرأة شهدت على رجل وامرأته أنها قد أرضعتهما ، فقال : لا ، قد يشهد رجلان ، أو رجل وامرأتان " .

قال أبو عبيد : وهذا قول أهل العراق ، وكان الأوزاعي يأخذ بقول الأول .

وأما مالك : فإنه كان يقبل فيه شهادة امرأتين . [ ص: 74 ]

قال أبو عبيد : أبو حنيفة وأصحابه يقبلون شهادة النساء منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال ، كالولادة والبكارة وعيوب النساء ، ويقبلون فيه شهادة امرأة واحدة . قالوا : لأنه لا بد من ثبوت هذه الأحكام ، ولا يمكن للرجال الاطلاع عليها ، وإنما يطلع عليها النساء على الانفراد . فوجب قبول شهادتهن على الانفراد .

قالوا : وتقبل فيه شهادة الواحدة ، لأن ما قبل فيه قول النساء على الانفراد لم يشترط فيه العدد ، كالرواية .

قالوا : وأما استهلال الصبي ، فتقبل شهادة المرأة فيه بالنسبة إلى الصلاة على الطفل ، ولا تقبل بالنسبة إلى الميراث .

وثبوت النسب عند أبي حنيفة وعند صاحبيه يقبل أيضا ، لأن الاستهلال صوت يكون عقيب الولادة ، وتلك حالة لا يحضرها الرجال ، فدعت الضرورة إلى قبول شهادتهن .

وأبو حنيفة يقضي بأحكام الشهادة ، وأثبت الصلاة عليه بشهادة المرأة احتياطا ، ولم يثبت الميراث والنسب بشهادتها احتياطا ، قالوا : وأما الرضاع : فلا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ، لأن الحرمة متى ثبتت ترتب عليها زوال ملك النكاح ، وإبطال الملك لا يثبت إلا بشهادة الرجال . قالوا : ولأنه مما يمكن اطلاع الرجال عليه .

قال الشافعي : لا يقبل في ذلك كله أقل من أربع نسوة ، أو رجل وامرأتين .

قال أبو عبيد : فأما الذين قالوا تقبل شهادة الواحدة في الرضاعة ، فإنهم أحلوا الرضاع محل سائر أمور النساء التي لا يطلع عليها الرجال ، كالولادة والاستهلال ونحوهما .

وأما الذين أخذوا بشهادة الرجلين ، أو الرجل والمرأتين فإنهم رأوا أن الرضاعة ليست كالفروج التي لا حظ للرجال في مشاهدتها ، وجعلوها من ظواهر أمور النساء ، كالشهادة على الوجوه .

والذين أجازوها بالمرأتين : ذهبوا إلى أن الرضاعة - وإن لم يكن النظر في التحريم كالعورات - فإنها لا تكون إلا بظهور الثدي والنحور . وهذه من محاسن النساء التي قد جعل الله فرضها الستر على الرجال الأجانب ، فجعلوا المرأتين في ذلك كالرجلين في سائر الشهادات .

قال أبو عبيد : والذي عندنا في هذا : اتباع السنة فيما يجب على الزوج عند ورود ذلك ، فإذا شهدت عنده المرأة الواحدة بأنها قد أرضعته وزوجته فقد لزمته الحجة من الله في اجتنابها ، وتجب عليه مفارقتها ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمستفتي في ذلك : { دعها عنك } .

وليس لأحد أن يفتي بغيره ، [ ص: 75 ] إلا أنه لم يبلغنا أنه صلى الله عليه وسلم حكم بينهما بالتفريق حكما ، مثل ما سن في المتلاعنين ، ولا أمر فيه بالقتل ، كالذي تزوج امرأة أبيه ، ولكنه غلظ عليه في الفتيا .

فنحن ننتهي إلى ما انتهى إليه ، فإذا شهدت معها امرأة أخرى فكانتا اثنتين ، فهناك يجب التفريق بينهما في الحكم ، وهو عندنا معنى قول عمر : " إنه لم يجز شهادة المرأة الواحدة في الرضاع " وإن كان مرسلا عنه .

فإنه أحب إلينا من الذي فيه ذكر الرجلين ، أو الرجل والمرأتين ، لما حظر على الرجال من النظر إلى محاسن النساء .

وعلى هذا يوجه حديث علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما في المرأة الواحدة ، إذ لم يوقتا فوق ذلك وقتا بأدنى ما يكون بعد الواحدة إلا اثنتان من النساء ، والله أعلم .

قال أبو عبيد : حدثنا حجاج عن ابن جريج ، عن أبي بكر بن أبي سبرة ، عن موسى بن عقبة ، أخبره عن القعقاع بن حكيم ، عن ابن عمر قال : " لا تجوز شهادة النساء وحدهن ، إلا على ما لا يطلع عليه إلا هن من عورات النساء ، وما أشبه ذلك من حملهن وحيضهن " .

التالي السابق


الخدمات العلمية