صفحة جزء
99 - ( فصل )

[ ص: 204 ] ومن المنكرات : تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، لما فيه من تغرير البائع ، فإنه لا يعرف السعر ، فيشتري منه المشتري بدون القيمة ، ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل إلى السوق ، ولا نزاع في ثبوت الخيار له مع الغبن .

وأما ثبوته بلا غبن : ففيه عن أحمد روايتان : إحداهما : يثبت ، وهو قول ، الشافعي ، لظاهر الحديث .

والثانية : لا يثبت لعدم الغبن ، ولذلك ثبت الخيار للمشتري المسترسل إذا غبن ، وفي الحديث { غبن المسترسل ربا } وفي تفسيره قولان ، أحدهما : أنه الذي لا يعرف قيمة السلعة .

والثاني - وهو المنصوص عن أحمد - أنه الذي لا يماكس ، بل يسترسل إلى البائع ، ويقول : أعطني هذا . وليس لأهل السوق أن يبيعوا المماكس بسعر ، ويبيعوا المسترسل بغيره ، وهذا مما يجب على والي الحسبة إنكاره ، وهذا بمنزلة تلقي السلع ، فإن القادم جاهل بالسعر .

ومن هذا : تلقي سوقة الحجيج الجلب من الطريق ، وسبقهم إلى المنازل يشترون الطعام والعلف ، ثم يبيعونه كما يريدون ، فيمنعهم والي الحسبة من التقدم لذلك ، حتى يقدم الركب ، لما في ذلك من مصلحة الركب ، ومصلحة الجالب ، ومتى اشتروا شيئا من ذلك منعهم من بيعه بالغبن الفاحش . [ ص: 205 ]

ومن ذلك : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض } .

قيل لابن عباس : ما معنى قوله : { لا يبع حاضر لباد } ؟ قال : " لا يكون له سمسارا " . وهذا النهي لما فيه من ضرر المشتري ، فإن المقيم إذا وكله القادم في بيع سلعة يحتاج الناس إليها ، والقادم لا يعرف السعر : أضر ذلك بالمشتري كما أن النهي عن تلقي الجلب فيه من الإضرار بالبائعين . ومن ذلك : الاحتكار لما يحتاج الناس إليه .

وقد روى مسلم في صحيحه " عن معمر بن عبد الله العدوي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحتكر إلا خاطئ } ، فإن المحتكر الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم : هو ظالم لعموم الناس ، ولهذا كان لولي الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل ، عند ضرورة الناس إليه ، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه ، والناس في مخمصة ، أو سلاح لا يحتاج إليه ، والناس يحتاجون إليه للجهاد ، أو غير ذلك ، فإن من اضطر إلى طعام غيره : أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل ، ولو امتنع من بيعه ، إلا بأكثر من سعره ، فأخذه منه بما طلب : لم تجب عليه إلا قيمة مثله .

وكذلك من اضطر إلى الاستدانة من الغير ، فأبى أن يعطيه إلا بربا ، أو معاملة ربوية ، فأخذه منه بذلك : لم يستحق عليه إلا مقدار رأس ماله . وكذلك إذا اضطر إلى منافع ماله ، كالحيوان والقدر والفأس ونحوها : وجب عليه بذلها له مجانا ، في أحد الوجهين ، وهو الأصح ، وبأجرة المثل في الآخر . [ ص: 206 ]

ولو اضطر إلى طعامه وشرابه ، فحبسه عنه حتى مات جوعا وعطشا : ضمنه بالدية عند الإمام أحمد ، واحتج بفعل عمر بن الخطاب ، وقيل له : تذهب إليه ؟ فقال : إي والله .

التالي السابق


الخدمات العلمية