102 - ( فصل )
[ ص: 207 ] ومن ذلك : أن
يلزم الناس ألا يبيع الطعام أو غيره من الأصناف إلا ناس معروفون ، فلا تباع تلك السلع إلا لهم ، ثم يبيعونها هم بما يريدون ، فلو باع غيرهم ذلك منع وعوقب ، فهذا من البغي في الأرض والفساد ، والظلم الذي يحبس به قطر السماء ، وهؤلاء يجب التسعير عليهم ، وألا يبيعوا إلا بقيمة المثل ، ولا يشتروا إلا بقيمة المثل ، بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء ، لأنه إذا منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه ، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما شاءوا أو يشتروا بما شاءوا : كان ذلك ظلما للناس : ظلما للبائعين الذين يريدون بيع تلك السلع ، وظلما للمشترين منهم .
فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع ، وحقيقته : إلزامهم بالعدل ، ومنعهم من الظلم ، وهذا كما أنه لا يجوز الإكراه على البيع بغير حق ، فيجوز أو يجب الإكراه عليه بحق ، مثل بيع المال لقضاء الدين الواجب ، والنفقة الواجبة ، ومثل البيع للمضطر إلى طعام أو لباس ، ومثل الغراس والبناء في ملك الغير فإن لرب الأرض أن يأخذه بقيمة المثل ، ومثل الأخذ بالشفعة ، فإن للشفيع أن يتملك الشقص بثمنه قهرا ، وكذلك السراية في العتق ، فإنها تخرج الشقص من ملك الشريك قهرا ، وتوجب على المعتق المعاوضة عليها قهرا ، وكل من وجب عليه شيء من الطعام واللباس والرقيق والمركوب - بحج أو كفارة أو نفقة - فمتى وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه ، وأجبر على ذلك ، ولم يكن له أن يمتنع حتى يبذل له مجانا ، أو بدون ثمن المثل .