تنبيهات
الأول :
الحديبية : بحاء مهملة مضمومة ، فدال مهملة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية مفتوحة . قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - وأهل اللغة وبعض أهل الحديث - رحمهم الله - التحتية مخففة . وقال أكثر أهل الحديث مشددة . قال
النووي - رحمه الله - فهما وجهان مشهوران .
وقال في المطالع : ضبطنا التخفيف عن المتقنين وأما عامة الفقهاء والمحدثين فيشددونها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13894البكري - رحمه الله - أهل
العراق يشددون ، وأهل
الحجاز يخففون .
وقال
النحاس - رحمه الله - سألت كل من لقيت ممن أثق بعلمه عن «
الحديبية » فلم يختلفوا عن قراءتها مخففة .
قال
أحمد بن يحيى - رحمه الله - لا يجوز فيها غيره ، ونص في البارع على التخفيف . وحكى التشديد
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده - رحمه الله - في المحكم ، قال في تهذيب المطالع : ولم أره لغيره ، وأشار بعضهم إلى أن التثقيل لم يسمع حتى يصح ، ووجهه أن التثقيل إنما يكون في المنسوب ، نحو
الإسكندرية فإنها منسوبة إلى
الإسكندر وأما
الحديبية فلا تعقل فيها النسبة ، وياء النسبة في غير منسوب قليلة ، ومع قلته موقوف على السماع . والقياس أن يكون أصلها حدباء بزيادة «ألف للإلحاق ببنات الأربعة ، فلما صغرت انقلبت الألف ياء» ، وقيل :
حديبة ، وشهد لصحة هذا أقوالهم لييلة بالتصغير ، ولم يرد لها مكبر فقدره الأئمة ليلة لأن المصغر فرع المكبر ، ويمتنع وجود فرع بدون أصله .
قال
المحب الطبري - رحمه الله - : هي قريبة من
مكة أكثرها في
الحرم .
وفي صحيح البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء «الحديبية» بئر . قال
الحافظ - رحمه الله - يشير إلى أن
[ ص: 70 ] المكان المعروف
بالحديبية سمي ببئر كانت هنالك ، هذا اسمها ، ثم عرف المكان كله بذلك ، وبينها وبين
مكة نحو مرحلة واحدة ، وبين
المدينة تسع مراحل الثاني : قالوا :
كانت سنة ست ، قاله الجمهور ، في ذي القعدة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه - رحمهما الله - في شوال ، وشذ بذلك
هشام عن الجمهور . وقد وافق
أبو الأسود عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة الجمهور . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=705567عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ذي القعدة ، وفيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=653833عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله عنه - اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلهن في ذي القعدة ، فذكر منها عمرة
الحديبية .
الثالث : اختلفت الروايات في
عدة من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ، ففي رواية
عبد العزيز الأفاقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=83المسور ، ومروان : ألف وثمانمائة .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل عن
أبي إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء : كنا أربع عشرة مائة .
وفي رواية
زهير بن معاوية عن
أبي إسحاق كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر .
وفي رواية
لسالم بن أبي الجعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : أنهم كانوا خمس عشرة مائة ، وكذلك رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عنه ، وكذلك رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
مجمع بن جارية .
قال
الحافظ - رحمه الله - والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة ، فمن قال ألف وخمسمائة جبر الكسر ، ومن قال ألف وأربعمائة ألغاه . ويؤيده قول
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء في رواية عنه : كنا ألفا وأربعمائة أو أكثر ، واعتمد على هذا الجمع
النووي - رحمه الله .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي - رحمه الله - فمال إلى الترجيح ، وقال : إن رواية من قال ألفا وأربعمائة أرجح ، ثم روى من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ومن طريق
سفيان بن عمر بن دينار ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر كذلك .
ومن رواية
nindex.php?page=showalam&ids=249معقل بن يسار عن
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع ،
nindex.php?page=showalam&ids=48والبراء بن عازب ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن أبيه ، ومعظم هذه الطرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
ووقع عند
ابن سعد - رحمه الله - في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=249معقل بن يسار : زهاء ألف وأربعمائة ، وهو أيضا في عدم التحديد .
وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=51عبد الله بن أبي أوفى - رحمه الله - : كنا ألفا وثلاثمائة كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، فيمكن حمله على ما أطلع عليه ، واطلع غيره على زيادة أناس لم يطلع هو عليهم ، والزيادة من الثقة مقبولة . أو العدد الذي ذكره عدد المقاتلة . والزيادة عليها من الأتباع ومن الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم .
[ ص: 71 ]
وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق - رحمه الله - إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافقه أحد عليه ، لأنه قاله استنباطا من قول
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر - رضي الله عنه - : نحرنا البدنة عن عشرة ، وكانوا نحروا سبعين بدنة .
وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن ، مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا . وقال
ابن القيم : ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق غلط بين ، واستدل به من أنهم نحروا سبعين بدنة ، والبدنة جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة ، وهذا لا يدل على ما قاله فإنه قد صرح أن البدنة في هذه العمرة عن سبعة ، فلو كانت السبعون عن جميعهم كانوا أربعمائة وتسعين رجلا ، وقد قال في تمام الحديث بعينه : إنهم كانوا ألفا وأربعمائة .
وأما ما وقع في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=83المسور ومروان عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة مائة ، فيجمع أيضا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم . وأما الذين زادوا على ذلك فكانوا غائبين عنها ، كمن توجه مع
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان - رضي الله عنه - إلى
مكة ، على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع ، فلا تخالف .
وجزم
ابن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع عند
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة . وحكى
ابن سعد : أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين . وهذا إن ثبت تحرير بالغ .
وزاد
nindex.php?page=showalam&ids=13508ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وفيه رد على
nindex.php?page=showalam&ids=13138ابن دحية ، حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم ، أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد ، وإنما ذكره بالحدس والتخمين .
الرابع : في أخذه - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين عن
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد وجيشه ، جواز
الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرتهم .
الخامس : في استشارته - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ،
استحباب مشورة الإمام رعيته وجيشه استخراجا لوجه الرأي ، واستطابة لنفوسهم ، وأن يخصص به بعضهم دون البعض .
السادس :
في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ما خلأت وما ذاك لها بخلق ،
جواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته ، وإن جاز أن يطرأ عليه ، وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد مثلها منه لا تنسب إليه ويرد على من نسبه إليها ممن ، لا يعرف صورة حاله ، لأن خلأ القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة جميعا صحيحا ، ولم يعاتبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعذرهم في ظنهم .
السابع :
قوله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=652529حبسها حابس الفيل :
أي حبسها الله عز وجل عن دخول
مكة كما حبس الفيل عن دخولها ،
وقصة الفيل مشهورة ، وتقدمت الإشارة إليها . ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا
مكة على تلك الصورة وصدتهم
قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال ، كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه
مكة ، لكن سبق في علم .
[ ص: 72 ]
الله - تعالى - في الموضعين أنه سيدخل في الإسلام خلق منهم ، وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون . وكان
بمكة في
الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، فلو طرق الصحابة
مكة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار إلى ذلك تبارك وتعالى - في قوله :
ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات [الفتح 25] الآية .
الثامن : استبعد
المهلب جواز إطلاق حابس الفيل على الله عز وجل ، وقال : المراد حبسها أمر الله سبحانه وتعالى . وتعقب بأنه يجوز إطلاق ذلك في حق الله - تعالى - فيقال :
حبسها الله حابس الفيل ، وإنما الذي يمكن أن يمنع تسميته - تعالى - حابس الفيل ونحوه ، كما أجاب به
ابن المنير ، وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفية .
وقد توسط
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي وطائفة فقالوا : محل المنع ما لم يرد نص بما يشتق منه بشرط ألا يكون ذلك الاسم المشتق منه مشعرا بنقص ، فيجوز تسميته بالواقي
ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته [غافر 9] ولا يجوز تسميته البناء وإن ورد في قوله تعالى :
والسماء بنيناها بأيد [الذاريات 47] التاسع :
في قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652529«حبسها حابس الفيل»
جواز التشبيه من الجهة العامة ، وإن اختلفت الجهة الخاصة ، لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض ، وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض ، ولكن جاز التشبيه من جهة إرادة الله - تعالى - منع
الحرم مطلقا ، أما من أهل الباطل فواضح ، وأما من أهل الحق فللمعنى الذي تقدم ذكره في الرابع .
العاشر :
قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=674307«والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة . .
. إلى آخره» . قال
السهيلي رحمه الله : لم يقع في شيء من طرق الحديث ، أنه قال إن شاء الله - تعالى - مع أنه مأمور في ذلك في كل حال .
قال : والجواب عن ذلك أنه كان أمرا واجبا حتما ، فلا يحتاج معه للاستثناء ، وتعقب بأنه - تعالى - قال في هذه القصة
لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فقال : إن شاء الله ، مع تحقيق وقوع ذلك تعليما وإرشادا ، فالأولى أن يحمل على أن الاستثناء سقط من الراوي ، أو كانت القصة قبل نزول الأمر بذلك ، ولا يعارضه كون الكهف مكية ، إذ لا مانع من أن يتأخر نزول بعض السورة ،
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - «والذي نفسي بيده»
إلخ تأكيد القول باليمين ليكون أدعى إلى القبول . وقد حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحلف في أكثر من ثمانين موضعا ، كما سيأتي بسط ذلك في بابه .
الحادي عشر : في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء في شفير بئر
الحديبية أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمضمض
[ ص: 73 ]
ودعا ثم صبه فيها ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=83المسور ، ومروان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيها ، ويمكن الجمع بأن الأمرين وقعا معا ، ويؤيد ذلك ما رواه
محمد بن عمر من طريق
أوس بن خولي أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ في الدلو ثم أفرغه فيها وانتزع السهم ثم وضعه فيها ، وهكذا ذكر
أبو الأسود عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة أنه - صلى الله عليه وسلم - تمضمض في الدلو وصبه في البئر ، ونزع سهما من كنانته فألقاه فيها ففارت .