سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : خيبر - بخاء معجمة ، فتحتية ، فموحدة ، وزن جعفر : وهي اسم ولاية تشتمل على حصون ومزارع ، ونخل كثير ، على ثلاثة أيام من المدينة على يسار حاج الشام . والخيبر بلسان اليهود ، الحصن ، ولذا سميت خيابر أيضا - بفتح الخاء ، قاله ابن القيم مما ذكر ابن إسحاق ، وقال ابن عقبة ومحمد بن عمر وأبو سعد النيسابوري في الشرف : أنها بجبلة - بفتح الجيم والموحدة ابن جوال بفتح الجيم وتشديد الواو ، بعدها ألف ولام ، وقيل : سميت بأول [ ص: 152 ] من نزلها ، وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهلايل بن آدم بن عبيل ، وهو أخو عاد .

وذكر جماعة من الأئمة : أن بعضها فتح صلحا ، وبعضها فتح عنوة . وبه يجمع بين الروايات المختلفة في ذلك .

وروي عن الإمام مالك - رحمه الله تعالى - أن الكتيبة أربعون ألف عذق . ولابن زبالة حديث «ميلان في ميل من خيبر مقدس ، وحديث «خيبر مقدسة ، والسوارقية مؤتفكة ، وحديث «نعم القرية في سنيات الدجال خيبر» وتوصف خيبر بكثرة التمر .

قال حسان بن ثابت - رضي الله عنه :


وإنا ومن يهدي القصائد نحونا كمستبضع تمرا إلى أهل خيبر

وروى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قال : لما فتحت خيبر : قلنا : الآن نشبع من التمر . وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر ، وتوصف خيبر بكثرة الحمى ، قدم خيبر أعرابي بعياله فقال :


قلت لحمى خيبر استقري     هاك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالد وورد     أعانك الله على ذا الجند

فحم ومات ، وبقي عياله .

قال أبو عبيد البكري - رحمه الله - في معجمه وفي الشق عين تسمى الحمة ، وهي التي سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمة الملائكة ، يذهب ثلثا مائها في فلج والثلث الآخر في «فلج» والمسلك واحد وقد اعتبرت منذ زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم يطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فتذهب اثنتان في الفلج الذي له ثلثا مائها ، وواحدة في الفلج الثاني ، ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث ، ومن قام في الفلج الذي يأخذ الثلثين ليرد الماء إلى الفلج الثاني غلبه الماء وفاض ، ولم يرجع إلى الفلج الثاني شيء يزيد على قدر الثلث وتشتمل خيبر على حصون كثيرة ، ذكر منها في القصة كثير .

الثاني : اختلف في أي سنة كانت غزوتها : قال ابن إسحاق : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بقية المحرم سنة سبع ، فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر .

وقال يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق من حديث المسور ومروان ، قالا :

«انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية ، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة» [ ص: 153 ] فأعطاه الله فيها خيبر بقوله : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه [الفتح 20] ويعني خيبر ، فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم .

وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها ثم خرج إلى خيبر .

وعند ابن عائذ عن ابن عباس : أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال .

وعند سليمان التيمي خمسة عشر يوما .

قال الإمام مالك رحمه الله - تعالى - : كان فتح خيبر سنة ست .

والجمهور - كما في زاد المعاد : أنها في السابعة ، وقال الحافظ : إنه الراجح قالا :

ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي ، وهو ربيع الأول .

وابن حزم - رحمه الله - يرى أنه من شهر ربيع الأول .

الثالث : قال الحافظ : نقل الحاكم عن الواقدي ، وكذا ذكره ابن سعد أنها كانت في جمادى الأولى . فالذي رأيته في مغازي الواقدي : أنها كانت في صفر ، وقيل : في ربيع الأول ، وأغرب من ذلك ما رواه ابن سعد ، وابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : خرجنا إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان ، الحديث . وإسناده حسن ، إلا أنه خطأ ، ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت ، وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح ، وغزوة الفتح خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها في رمضان جزما ، وذكر الشيخ أبو حامد - رحمه الله - تعالى ، في التعليق : أنها كانت سنة خمس ، وهو وهم ، ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر ، وأجاب بعضهم بأنه أسقط سنة المقدم أي وقطع النظر عن سنة الغزوة .

الرابع : قول عامر : اللهم لولا أنت ما اهتدينا ، قال الحافظ في هذا : القسم زحاف الخزم بالمعجمتين ، وهو زيادة سبب خفيف ، وفي الصحيح في الجهاد عن البراء بن عازب : أنه من شعر عبد الله بن رواحة ، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما توارد عليه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر واستعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة .

الخامس : استشكل قول عامر : «فداء» بأنه لا يقال في حق الله - تعالى ، إذ معنى «فداء» نفديك بأنفسنا ، فحذف متعلق الفعل للشهرة ، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء ، وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد ظاهرها ، بل المراد بها المحبة والتعظيم ، مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ ، وقيل : المخاطب بهذا الشعر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى ، لا تؤاخذنا بتقصيرنا في [ ص: 154 ]

حقك ونصرك ، وعلى هذا فقوله : «اللهم» لم يقصد به الدعاء ، وإنما افتتح بها الكلام ، والمخاطب بقوله : لولا أنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعكر عليه قوله بعد ذلك : فأنزلن سكينة علينا :

وثبت الأقدام إن لاقينا ، فإنه دعاء لله ، ويحتمل أن يكون المعنى ، فاسأل ربك أن ينزل ويثبت .

السادس : في بيان الروايات التي وردت في هذا الرجز ومعانيها .

وما اتقينا بتشديد الفوقية بعدها قاف ، أي ، ما تركنا من الأوامر ، «وما» ظرفية ، وللأصيلي والنسفي من رواية الصحيح بهمزة قطع ، فموحدة ساكنة ، أي ما خلفنا وراءنا مما كسبناه من الآثام ، أو ما أبقينا وراءنا من الذنوب ، فلم نتب منه وللقابسي : ما لقينا بلام وكسر القاف ، أي ما وجدنا من المناهي . ووقع في الأدب ما اقتفينا بقاف ساكنة ، ففوقية ، وفاء مفتوحتين ، فتحتية ساكنة ، أي اتبعنا من الخطايا ، من قفوت الأثر إذا تبعته ، وكذا عند مسلم ، وهو أشهر الروايات في هذا الرجز .

ألقين سكينة علينا . وفي رواية النسفي و «ألقي» بحذف النون ، وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين ، وليس بموزون السكينة : الوقار ، والتثبت .

أتينا : بفوقية : أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو الحق ، وروي بالموحدة أي إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا وبالصياح عولوا علينا : أي قصدونا بالدعاء والصوت العالي ، واستعانوا علينا ، يقال :

عولت على فلان وعولت بفلان .

السابع : اختلف في فتح خيبر ، هل كان عنوة أو صلحا ، وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عند البخاري في الصلاة : التصريح بأنه كان عنوة ، وبه جزم أبو عمر ، ورد على من قال فتحت صلحا ، قال : وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا ، بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم ، وهو ضرب من الصلح ، لكنه لم يقع ذلك إلا بحصار ، وقتال ، قال الحافظ - رحمه الله تعالى : والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل أهل خيبر ، فغلب على النخل فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ، ولهم ما حملت ركابهم ، على ألا يكتموا ولا يغيبوا الحديث . وفي آخره :

فسبى نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا ، وأراد أن يجليهم ، فقالوا : دعنا في هذه الأرض نصلحها . . الحديث ، ورواه أبو داود والبيهقي وغيرهما ، وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي عن عروة . فعلى هذا كان وقع الصلح ، ثم حصل النقض منهم فزال أمر الصلح ، ثم من عليهم بترك القتل وإبقائهم عمالا بالأرض ، ليس لهم فيها ملك ، ولذلك [ ص: 155 ]

أجلاهم عمر ، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها .

وجنح غير واحد من العلماء إلى أن بعضها فتح عنوة ، وبعضها فتح صلحا ، وليس بنا ضرورة إلى بسط الكلام على ذلك .

الثامن : زعم الأصيلي - رحمه الله تعالى - أن حديث نومهم عن الصلاة إنما كان بحنين لا بخيبر ، وأن ذكر خيبر خطأ ، ورد عليه أبو الوليد الباجي ، وأبو عمر فأجادا .

التاسع : اختلف في إسلام زينب بنت الحارث التي أهدت الشاة المسمومة وفي قتلها ، أما إسلامها ، فروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أنها أسلمت ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركها . قال معمر : والناس يقولون قتلها . وجزم بإسلامها سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها : «وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك ، وقد استبان لي أنك صادق ، وأنا أشهدك ومن حضرك أني على دينك ، وأن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، قال : وانصرف عنها حين أسلمت .

وأما قتلها وتركها ، فروى البيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - ما عرض لها ، وعن جابر قال : فلم يعاقبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وروى ابن سعد عن شيخه محمد بن عمر بأسانيد له متعددة هذه القصة ، وفي آخرها فدفعها إلى أولياء بشر بن البراء فقتلوها قال محمد بن عمر : وهو أثبت وروى أبو داود من طريق الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه ، والزهري لم يسمع من جابر ، ورواه أيضا عن أبي هريرة .

قال البيهقي - رحمه الله - يحتمل أن يكون تركها أولا ، ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها ، وبذلك أجاب السهيلي - رحمه الله تعالى - وزاد : أنه تركها ، لأنه كان لا ينتقم لنفسه ، ثم قتلها ببشر قصاصا .

قال الحافظ - رحمه الله تعالى - : يحتمل أن يكون تركها أولا ، ثم لما مات بشر لكونها أسلمت ، وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لأن بموته يتحقق وجوب القصاص بشرطه .

وروى أبو سعد النيسابوري : أنه - صلى الله عليه وسلم - قتلها وصلبها ، فالله أعلم العاشر : وقع في سنن أبي داود أنها أخت مرحب ، وبه جزم السهيلي ، وعند البيهقي في الدلائل : بنت أخي مرحب ، وبه جزم الزهري كما في مغازي موسى بن عقبة الحادي عشر : إن قيل ما الجمع بين قوله - تعالى : والله يعصمك من الناس [المائدة 67] وبين حديث الشاة المسمومة المصلية بالسم الصادر من اليهودية ؟ والجواب :

إن الآية نزلت عام تبوك ، والسم كان بخيبر ، قبل ذلك . [ ص: 156 ]

الثاني عشر : اختلف في مدة إقامته - صلى الله عليه وسلم - بأرض خيبر ، فروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بخيبر ستة أشهر ، يجمع بين الصلاتين . وروى البيهقي عنه : أربعين يوما ، وسنده ضعيف .

وقال ابن إسحاق . . . . .

التالي السابق


الخدمات العلمية