سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : يقال لهذه العمرة عمرة القصاص . قال السهيلي - رحمه الله - تعالى - وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص [البقرة [ ص: 196 ] 194] ورواه عبد بن حميد بسند صحيح عن مجاهد ، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه وهذه الآية نزلت فيها كما تقدم .

ويقال لها : عمرة القضاء ، واختلف في تسميتها بذلك ، فقال السهيلي : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاضى قريشا عليها . لأنه قضى العمرة التي صد عن البيت فيها ، فإنها لم تكن فسدت بصدهم له عن البيت ، بل كانت عمرة تامة متقبلة ، حتى إنهم حين حلقوا شعورهم بالحل احتملتها الريح فألقتها بالحرم ، فهي معدودة في عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زاد القاضي : فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصلح ، ولذلك يقال لها عمرة القضية .

قال أهل اللغة : قاضى فلان فلانا : عاهده ، وقاضاه : عاوضه ، فيحتمل تسميتها بالأمرين ، ويرجح الثاني تسميتها قصاصا .

وقال آخرون : بل كانت قضاء عن العمرة الأولى ، وعد عمرة الحديبية في العمر لثبوت الأجر فيها لا لأنها كملت ، وهذا خلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت . فقال الجمهور : يجب عليه الهدي ، ولا قضاء عليه .

وعن الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - تعالى - عكسه ، وعن الإمام أحمد رواية : أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء وأخرى أنه يلزمه الهدي والقضاء ، وبيان حجج كل ليس من غرضنا .

وقال ابن إسحاق : تسمى أيضا عمرة الصلح اه .

فتحصل من أسمائها أربعة : القضاء ، والقضية ، والقصاص والصلح .

الثاني : وجهوا كون هذه العمرة غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر ، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة .

وقال ابن الأثير - رحمه الله تعالى - في الجامع : هذه العمرة ليست من الغزوات ، وذكرها البخاري في الغزوات حيث تضمنت ذكر المصالحة مع المشركين .

الثالث : قال ابن هشام - رحمه الله تعالى - قوله : «نحن قتلناكم على تأويله” إلى آخر الأبيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم ، قال السهيلي : يعني يوم صفين . قال ابن هشام :

والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين ، والمشركون لم يقروا بالتنزيل ، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزل . قال في البداية : وفيما قاله ابن هشام نظر ، فإن البيهقي روى من غير وجه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال : لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وفي رواية وهو آخذ بغرزه وهو يقول . [ ص: 197 ]

الأبيات السابقة . ورواه عن يزيد بن أسلم - كما سبق - وقد تابع ابن إسحاق على ذلك ابن عقبة وغيره ، وقال الحافظ - رحمه الله تعالى - إذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك ، فإن التقدير على رأي ابن هشام : نحن ضربناكم على تأويله أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل ، ويجوز أن يكون التقدير : نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه ، وإذا كان ذلك محتملا ، وثبتت الرواية سقط الاعتراض . نعم الرواية التي جاء فيها .

«فاليوم نضربكم على تأويله” يظهر أنه قول عمار ، ويبعد أن يكون من قول ابن رواحة ، لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال ، وصحيح الرواية .

«نحن ضربناكم على تأويله . كما ضربناكم على تنزيله .

يشير بكل منهما إلى ما مضى ، ولا مانع من أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول هذه اللفظة ، ومعنى قوله : «نضربكم على تأويله” أي الآن ، وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر ، بل هي لغة قرئ بها في المشهور .

الرابع : قال الحافظ أبو عيسى الترمذي - رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر رجز ابن رواحة ، ثم قال : وفي غير هذا الحديث أن هذه القصة لكعب بن مالك ، وهو الأصح ، لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة ، وكانت عمرة القضاء بعد ذلك ، قال الحافظ - رحمه الله - وهو ذهول شديد ، وغلط مردود ، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك ، ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه ، علي ، وزيد بن حارثة في بنت حمزة ، أي كما سبق وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد ، فكيف يخفى على الترمذي مثل هذا . ثم وجدت عند بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس : أن ذلك كانت في فتح مكة . فإن كان كذلك اتجه اعتراض الترمذي ، لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي على ما تقدم . قلت :

وكذلك رأيته في عدة نسخ من جامع الترمذي .

الخامس : مجيء سهيل ، وحويطب يطلبان رحيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصف النهار ، الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل في أوائل النهار ، فلم تكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق ، وكان مجيئهم في أول النهار قريب مجيء ذلك الوقت .

السادس : «قول ابنة حمزة يا عم كأنها خاطبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك إجلالا ، وإلا فهو ابن عمها ، أو بالنسبة إلى كون حمزة - وإن كان عمه من النسب - فهو أخوه من الرضاعة .

وكانت خصومة علي وجعفر ، وزيد في ابنة حمزة بعد أن قدموا المدينة ، كما صح ذلك من حديث علي عند أحمد ، والحاكم .

السابع : أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا على أخذها من مكة مع اشتراط المشركين ألا يخرج . [ ص: 198 ]

بأحد من أهلها أراد الخروج ، لأنهم لم يطلبوها ، وأيضا فإن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك ، لكن إنما نزل القرآن بعد رجوعهم إلى المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية