الباب الحادي عشر في
سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى كعب بن الأشرف ؛ وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في السنة الثالثة
كان
كعب يهوديا .
قال
ابن عقبة : هو من
بني النضير ، يكنى
أبا نائلة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق وأبو عمر : هو من
بني نبهان من
طيئ ، وأمه من
بني النضير . وكان شاعرا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويهجو الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ويحرض عليهم الكفار .
وروى
ابن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري في قوله تعالى :
ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا [آل عمران 186] قال : هو
كعب بن الأشرف فإنه كان يحرض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعني في شعره يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
ولما قدم
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة nindex.php?page=showalam&ids=82وعبد الله بن رواحة بالبشارة من
بدر بقتل المشركين وأسر من أسر منهم ، قال
كعب : «أحق هذا ؟ أترون
محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان ؟ - يعني
زيدا nindex.php?page=showalam&ids=82وعبد الله بن رواحة- فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس ، والله لئن كان
محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها» . فلما تيقن عدو الله الخبر ، ورأى الأسرى مقرنين كبت وذل ثم قال لقومه : «ما عندكم ؟ » قالوا : «عداوته ما حيينا» . قال : «وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم ؟ ! ولكن أخرج إلى
قريش فأحرضها وأبكي قتلاها لعلهم ينتدبون فأخرج معهم» . فخرج حتى قدم
مكة ، فوضع رحله عند
المطلب بن أبي وداعة [بن ضبيرة] السهمي ، وعنده
عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص ، وأسلمت هي وزوجها بعد ذلك . فأنزلته وأكرمته ، وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب من
قريش الذين أصيبوا
ببدر .
قال
محمد بن عمر رضي الله تعالى عنه : ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت وأخبره بنزول
كعب على من نزل عليه؛ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان : ألا أبلغن عني أسيدا رسالة فخالك عبد بالشراب مجرب لعمرك ما أوفى أسيد لجاره
ولا خالد وابن المفاضة زينب وعتاب عبد غير موف بذمة
كذوب شئون الرأس قرد مدرب
[ ص: 26 ] وذكر
ابن عائذ أن
كعبا حالف
قريشا عند أستار
الكعبة على قتال المسلمين . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة أن
قريشا قالت
لكعب : أديننا أهدى أم دين
محمد ؟ قال : دينكم .
فلما بلغها هجاؤه نبذت رحله ، وقالت : ما لنا ولهذا اليهودي ؟ ! ألا ترى ما يصنع بنا
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان ؟
فتحول ، فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
حسانا فقال : «ابن الأشرف نزل على فلان» .
فلا يزال يهجوهم حتى ينبذ رحله . فلما لم يجد مأوى قدم
المدينة . انتهى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : ثم رجع
كعب بن الأشرف إلى
المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم .
وروى
عبد الله بن إسحاق الخراساني في فوائده عن
عكرمة أن
كعبا صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى وليمة ، فإذا حضر فتكوا به . ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه . فأعلمه
جبرئيل عليه السلام بما أضمروه ، فرجع ، فلما فقدوه تفرقوا . انتهى .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر» .
وقال صلى الله عليه وسلم ، كما في الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=674310«من لي بكعب بن الأشرف ؛ فقد آذى الله ورسوله ؟ » .
وفي رواية :
«فقد آذانا بشعره وقوى المشركين علينا» .
فقال محمد بن مسلمة : أنا لك به يا رسول الله ، أنا أقتله . قال : «أنت له فافعل إن قدرت على ذلك» .
[وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عند
ابن عائذ ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن قلت (بهذا) احتمل أن يكون سكت أولا ثم أذن] .
فرجع محمد بن مسلمة ، فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق به نفسه . فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاه فقال له : «لم تركت الطعام والشراب ؟ » فقال : يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفين لك به أم لا . فقال : «إنما عليك الجهد» .
nindex.php?page=hadith&LINKID=889857وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «شاور nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ في أمره» فشاوره فقال له : توجه إليه واذكر له الحاجة وسله أن يسلفكم طعاما .
فاجتمع [في قتله] محمد بن مسلمة ، nindex.php?page=showalam&ids=4582وعباد بن بشر ، وأبو نائلة سلكان بن سلامة ، والحارث بن أوس بن معاذ ، بعثه عمه nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ، وأبو عبس بن جبر ، فقالوا : «يا رسول الله نحن نقتله؛ فأذن لنا فلنقل شيئا؛ فإنه لا بد لنا من أن نقول» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قولوا ما بدا لكم؛ فأنتم في حل من ذلك» .
فخرج
أبو نائلة كما قال جل أئمة المغازي ، وكان أخا
كعب من الرضاعة . وفي الصحيح : خرج إليه
محمد بن مسلمة .
فلما رآه
كعب أنكر شأنه وذعر منه . فقال
أبو نائلة أو
محمد بن مسلمة : حدثت حاجة .
[ ص: 27 ]
فقال
كعب ، وهو في نادي قومه وجماعتهم : ادن إلي فخبرني بحاجتك . فتحدثنا ساعة ،
وأبو نائلة أو
محمد بن مسلمة يناشده الشعر . فقال
كعب : ما حاجتك ، لعلك تحب أن تقوم من عندنا . فلما سمع القوم قاموا .
فقال
محمد بن مسلمة أو
أبو نائلة : «إن هذا الرجل قد سألنا صدقة ، ونحن لا نجد ما نأكل ، وإنه قد عنانا» . قال
كعب : «وأيضا والله لتملنه» . وفي غير الصحيح : فقال
أبو نائلة : «إني قد جئتك في حاجة أريد أن أذكرها لك فاكتم عني» . قال : «أفعل» . قال : «كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء ، عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة ، وقطعت عنا السبل ، حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس ، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا» . فقال
كعب بن الأشرف : «أما والله لقد كنت أخبرك يا
ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول ، ولكن اصدقني ما الذي تريدون من أمره ؟ » قال : «خذلانه والتنحي عنه» .
قال : «سررتني ألم يأن لكم أن تعرفوا ما عليه من الباطل ؟ » . فقال له
أبو نائلة أو
محمد بن مسلمة : «معي رجال من أصحابي على مثل رأيي ، وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك تمرا وطعاما وتحسن إلينا ، ونرهنك ما يكون ذلك فيه ثقة» . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : «وواعده أن يأتيه
بالحارث وأبي عبس بن جبر ، nindex.php?page=showalam&ids=4582وعباد بن بشر . قال
[كعب] : «أما والله ما كنت أحب يا
أبا نائلة أن أرى بك هذه الخصامة وإن كنت من أكرم الناس ، على ماذا ترهنوني ؟ [أترهنوني] أبناءكم ؟ » قال : «إنا نستحي أن يعير أبناؤنا فيقال ، هذا رهينة وسق ، وهذا رهينة وسقين» . قال :
«فارهنوني نساءكم» . قال : «لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا ، أنت أجمل الناس ولا نأمنك ، وأي امرأة تمتنع منك لجمالك ، ولكنا نرهنك من السلاح والحلقة ما ترضى به ، ولقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم» . قال
كعب : «إن في السلاح لوفاء» . وأراد
أبو نائلة ألا ينكر السلاح إذا جاءوا به . فسكن إلى قوله ، وقال : «جئ به متى شئت» .
فرجع
أبو نائلة من عنده على ميعاد . فأتى أصحابه فأخبرهم ، فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده . ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء فأخبروه فمشى [معهم] .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق و
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بسند صحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=683114عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الفرقد ، ثم وجههم وقال : «انطلقوا على اسم الله ، اللهم أعنهم» وعند ابن سعد :
«امضوا على بركة الله وعونه» .
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته في ليلة مقمرة مثل النهار ، ليلة أربع عشرة من شهر ربيع الأول .
[ ص: 28 ]
فمضوا حتى انتهوا إلى حصن
ابن الأشرف . وفي الصحيح : فقال
محمد بن مسلمة - وفي كتب المغازي
أبو نائلة - لأصحابه : «إذا ما رآكم
كعب فإني قائل بشعره فأسمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه» .
فهتف
أبو نائلة ، وكان
ابن الأشرف حديث عهد بعرس ، فوثب في ملحفة ، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت : «إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة» .
فقال : «إنه ميعاد علي وإنما هو أخي
أبو نائلة لو وجدني نائما لما أيقظني» . فقالت : «والله إني لأعرف في صوته الشر» . فكلمهم من فوق البيت . وفي رواية : «أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم» .
قال : فقال لها
كعب : «إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب» . ثم نزل إليهم متوشحا بملحفة وهو ينفح منه ريح الطيب . فجاءهم ثم جلس فتحدث معهم ساعة حتى انبسط إليهم .
فقالوا : «هل لك يا
ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا هذه ؟ » فقال : «إن شئتم» . فخرجوا يتماشون؛ فمشوا ساعة . فقال
أبو نائلة : «نجد منك ريح الطيب» .
قال : «نعم؛ تحتي فلانة من أعطر نساء العرب» . قال : أفتأذن لي أن أشم [رأسك] ؟ » قال : نعم .
فأدخل
أبو نائلة يده في رأس
كعب ثم شم يده ، فقال : «ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط» .
وإنما كان
كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه ، وكان جعدا جميلا . ثم مشى
أبو نائلة ساعة ثم عاد لمثلها [حتى اطمأن إليه وسلسلت يده في شعره] فأخذ بقرون رأسه وقال لأصحابه : «اضربوا عدو الله» . فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا ورد بعضها بعضا . ولصق
بأبي نائلة . قال
محمد بن مسلمة : «فذكرت مغولا كان في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا ، فأخذته وقد صاح عدو الله عند أول ضربة صيحة لم يبق حولنا حصن من حصون يهود إلا أوقدت عليه نار» . قال : «فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله» .
وعند
ابن سعد : فطعنه
أبو عبس في خاصرته وعلاه
محمد بن مسلمة [بالسيف] وقد أصيب
الحارث بن أوس بن معاذ ، فجرح في رجله ، أصابه بعض أسياف القوم . فلما فرغوا حزوا رأس
كعب ثم خرجوا يتسترون ، وهم يخافون من يهود الإرصاد ، حتى سلكوا على
بني أمية بن زيد ، ثم على
قريظة ، وإن نيرانهم في الحصون لعالية ، ثم على
بعاث ، حتى إذا كانوا
بحرة العريض تخلف
الحارث فأبطأ عليهم فناداهم : «أقرئوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام» . فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
nindex.php?page=hadith&LINKID=674531فلما بلغوا بقيع الفرقد كبروا .
وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع [ ص: 29 ] كبر ، وعرف أن قد قتلوه . ثم أتوه يعدون ، حتى وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على باب المسجد .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أفلحت الوجوه» . فقالوا : «ووجهك يا رسول الله» ورموا برأسه بين يديه . فحمد الله تعالى على قتله . ثم أتوا بصاحبهم الحارث ، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرحه فلم يؤذه ، فرجعوا إلى منازلهم .
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» .
فخافت اليهود ، فلم يطلع عظيم من عظمائهم ، وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف .
وعند
ابن سعد : فأصبحت اليهود مذعورين ، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : قتل سيدنا غيلة ، فذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعه ، وما كان يحض عليهم ويحرض في قتالهم ويؤذيهم .
ثم دعاهم إلى أن يكتبوا بينه وبينهم صلحا [أحسبه] . فكان ذلك الكتاب مع
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله تعالى عنه بعد .