سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني والخمسون في سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى العزى

قال ابن سعد : ثم سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان ، وكانت بيتا بنخلة . قال ابن إسحاق وابن سعد : وكان سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، وكانت أعظم أصنام قريش وجميع كنانة . وذلك أن عمرو بن لحي كان قد أخبرهم أن الرب يشتي بالطائف عند اللات ويصيف عند العزى ، فعظموها وبنوا لها بيتا وكانوا يهدون إليها كما يهدون للكعبة . وروى البيهقي عن أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه : وكانت بيتا على ثلاث سمرات ، انتهى .

قال محمد بن عمر ، وابن سعد : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة خالد بن الوليد إلى العزى ليهدمها . فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه . قال ابن إسحاق : فلما سمع سادنها السلمي بسير خالد إليها علق عليها سيفه وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول :


يا عز شدي شدة لا شوى لها على خالد ألقي القناع وشمري     يا عز إن لم تقتلي المرء خالدا
فبوئي بإثم عاجل أو تنصري

قال أبو الطفيل ، ومحمد بن عمر ، وابن سعد : فأتاها خالد فقطع السمرات وهدمها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : «هل رأيت شيئا ؟ » قال : لا . قال : «فإنك لم تهدمها ، فارجع إليها فاهدمها» . فرجع خالد وهو متغيظ .

فلما رأت السدنة خالدا انبعثوا في الجبل وهم يقولون : يا عزى خبليه ، يا عزى عوريه ولا تموتي برغم ، فخرجت إليه [امرأة عجوز] سوداء عريانة ثائرة الرأس ، زاد أبو الطفيل : تحثو التراب على رأسها ووجهها . فضربها خالد وهو يقول :


يا عز كفرانك لا سبحانك     إني رأيت الله قد أهانك

فجزلها اثنتين ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : «نعم ، تلك العزى قد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا»
.

التالي السابق


الخدمات العلمية