الباب الثالث والعشرون في
وفد ثقيف إليه صلى الله عليه وسلم
قال في زاد المعاد : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : وقدم في رمضان منصرفه من
تبوك وفد
ثقيف ، وكان من حديثهم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة ، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنهم قاتلوك» ، وعرف أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم . فقال nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة : يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم . وكان فيهم كذلك محببا مطاعا .
فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم . فلما أشرف لهم على علية له ، وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله .
فقيل لعروة : ما ترى في دمك ؟ قال : «كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي ، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم ، فادفنوني معهم» . فدفنوه معهم ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه : «إن مثله في قومه لكمثل صاحب يس في قومه» .
ثم أقامت
ثقيف بعد قتل عروة أشهرا ، ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من
العرب وقد بايعوا وأسلموا . وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كما أرسلوا
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة ، فكلموا
عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، وكان سن
عروة بن مسعود وعرضوا عليه ذلك . فأبى أن يفعل وخشي أن يصنع به ، إذا رجع كما صنع
بعروة . فقال : لست فاعلا حتى ترسلوا معى رجالا .
فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من
بني مالك فيكونوا ستة فبعثوا مع
عبد ياليل : الحكم بن عمرو بن وهب ، وشرحبيل بن غيلان . ومن
بني مالك : nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص ، وأوس بن عوف ، ونمير بن خرشة . فخرج بهم
عبد ياليل ، فلما دنوا من
المدينة ونزلوا
قناة ألفوا بها
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة . فاشتد ليبشر بهم النبي صلى الله عليه وسلم . فلقيه
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر فقال : أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه . فدخل
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم . ثم خرج
المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم . وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأبوا إلا تحية الجاهلية . ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم قبة في ناحية المسجد لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب كتابهم بيده . وكانوا لا يأكلون طعاما يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد حتى أسلموا . وكان فيما سألوا أن يدع لهم الطاغية وهي اللات ولا يهدمها ثلاث سنين حتى سألوا .
[ ص: 297 ]
شهرا فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى ، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام . فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان بن حرب nindex.php?page=showalam&ids=19والمغيرة بن شعبة لهدمها .
وقد كانوا سألوه أن يعفيهم من الصلاة وألا يكسروا أوثانهم بأيديهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه ، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه» .
فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا ، أمر عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص ، وكان من أحدثهم سنا ، وذلك أنه كان من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن . وكان كما رواه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني برجال ثقات- رضي الله عنه- قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=943009قدمت في وفد ثقيف حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما حللنا بباب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : من يمسك رواحلنا ؟ فكل القوم أحب الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه ، وكنت أصغرهم ، فقلت إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم ، قالوا : فذلك لك .
فدخلوا عليه ثم خرجوا ، فقالوا : انطلق بنا . قلت : إلى أين ؟ قالوا : إلى أهلك فقلت : «ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم أأرجع ولا أدخل عليه ؟ وقد أعطيتموني ما علمتم» . قالوا : فاعجل فإنا قد كفيناك المسألة ، لم ندع شيئا إلا سألناه . فدخلت فقلت : يا رسول الله ادع الله تعالى أن يفقهني في الدين ويعلمني . قال : «ماذا قلت ؟ » فأعدت عليه القول . فقال : «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أصحابك ، اذهب فأنت أمير عليهم وعلى من تقدم عليه من قومك» .
وفي رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=943010فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته مصحفا فأعطانيه .
ثم قال في زاد المعاد : لما توجه
أبو سفيان والمغيرة إلى
الطائف لهدم الطاغية أراد
المغيرة أن يقدم
أبا سفيان ، فأبى ذلك
أبو سفيان عليه وقال : ادخل أنت على قومك . وأقام
أبو سفيان بماله
بذي الهرم .
فلما دخل
المغيرة علاها ليضربها بالمعول ، وقام قومه دونه ،
بنو معتب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة . فلما هدمها
المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل
أبا سفيان بمجموع مالها من الذهب والفضة والجزع .
وقد كان
أبو المليح بن عروة ، وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد
ثقيف- حين قتل
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة- يريدان فراق
ثقيف وألا يجامعاهم على شيء أبدا ، فأسلما ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «توليا من شئتما» . فقالا : نتولى الله ورسوله .
فلما أسلم أهل
الطائف سأل
أبو المليح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة دينا
[ ص: 298 ]
كان عليه من مال الطاغية فقال له : «نعم»
فقال له
قارب بن الأسود : وعن
الأسود يا رسول الله ، فاقضه
وعروة والأسود أخوان لأب وأم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الأسود مات مشركا» . فقال
قارب يا رسول الله ، لكن تصل مسلما ذا قرابة- يعني نفسه- وإنما الدين علي وأنا الذي أطلب به . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا سفيان أن يقضي دينهما من مال الطاغية .
وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673660«بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين : إن عضاه وج وصيده حرام لا يعضد [ولا يقتل صيده] فمن وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ومن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ النبي محمدا وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله وكتب nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد بأمر من محمد بن عبد الله رسول الله [فلا يتعده أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله لثقيف]» .
هذا خبر
ثقيف من أوله إلى آخره ، هذا لفظه في غزوة
الطائف .
وذكر في وفد
ثقيف زيادة على ما هنا قال : وكانوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم ويخلفون
nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص على رحالهم لأنه أصغرهم . فلما رجعوا عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الدين واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم ، فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبه . فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا .
فقال
كنانة بن عبد ياليل : هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا ؟ قال : نعم إن أنتم أقررتم بالإسلام أقاضيكم وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم . قالوا : أفرأيت الزنا ؟ فإنا قوم نغترب لا بد لنا منه . قال : وهو عليكم حرام ، إن الله عز وجل يقول :
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [الإسراء 32] قالوا : أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها ؟ قال : لكم رءوس أموالكم ، أن الله تعالى يقول :
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين [البقرة 278] . قالوا : أفرأيت الخمر فإنه لا بد لنا منها ؟ قال : إن الله تعالى قد حرمها وقرأ :
يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون [المائدة 90] .
فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض وكلمه إلا يهدم الربة ، فأبى ، فقال
ابن عبد ياليل : إنا لا نتولى هدمها . فقال : «سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها» . وأمر عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص كما تقدم لما علم من حرصه على الإسلام . وكان قد تعلم سورا من القرآن قبل أن يخرج لما سألوه أن يؤمر عليهم .
[ ص: 299 ]
فلما رجع الوفد خرجت
ثقيف يتلقونهم فلما رآهم ساروا العنق وقطروا الإبل قال بعضهم لبعض ما جاء وفدكم بخير ، وقصد الوفد اللات ، ونزلوا عندها . فقال ناس من
ثقيف إنهم لا عهد لهم برؤيتنا ، ثم رحل كل رجل منهم إلى أهله فسألوهم : ماذا جئتم به ؟ قالوا : أتينا رجلا فظا غليظا قد ظهر بالسيف وداخ له
العرب قد عرض علينا أمورا شدادا : هدم اللات . فقالت
ثقيف : والله لا نقبل هذا أبدا .
فقال الوفد : أصلحوا السلاح وتهيئوا للقتال . فمكثت
ثقيف كذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال ، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب ، فقالوا : والله ما لنا به من طاقة فارجعوا فأعطوه ما سأل . فلما رأى الوفد أنهم قد رغبوا واختاروا الإيمان قال الوفد : فإنا قاضيناه وشرطنا ما أردنا ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم ، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه فاقبلوا عافية الله .
فقالت
ثقيف : فلم كتمتمونا هذا الحديث ؟ فقالوا : أردنا أن ننزع من قلوبكم نخوة الشيطان ، فأسلموا مكانهم ومكثوا أياما . ثم قدم رسل النبي صلى الله عليه وسلم وعمدوا إلى اللات ليهدموها ، وخرجت
ثقيف كلها حتى العواتق من الحجال لا ترى أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة . فقام
المغيرة فأخذ الكرزين فضرب ثم سقط فارتج أهل
الطائف وقالوا : أبعد الله
المغيرة قتلته الربة وفرحوا وقالوا : والله لا يستطاع هدمها .
فوثب
المغيرة وقال : «قبحكم الله يا معشر
ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر فاقبلوا عافية الله واعبدوه» . ثم ضرب الباب فكسره ثم علا سورها وعلا الرجال معه يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها . وقال صاحب المفتاح : ليغضبن الأساس فليخسفن بهم . فلما سمع ذلك
المغيرة قال
لخالد : دعني أحفر أساسها ، فحفره حتى أخرجوا ترابها . وأقبل الوفد حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليها وكسوتها ، فقسمه من يومه ، وحمد الله تعالى على نصرة نبيه وإعزاز دينه .
nindex.php?page=hadith&LINKID=941901وقال nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص ، كما رواه عنه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان : إنما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني كنت قرأت سورة البقرة ، فقلت : يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني ، فوضع يده على صدري وقال : «يا شيطان اخرج من صدر عثمان» . فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه .
وفي صحيح مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661091قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي ، فقال : «ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا» .
قال : ففعلت فأذهبه الله عني . [ ص: 300 ]