الباب الخامس والعشرون في
قدوم الجارود بن المعلى ، وسلمة بن عياض الأسدي إليه صلى الله عليه وسلم
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة معمر بن المثنى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687250قدم الجارود العبدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه سلمة بن عياض الأسدي ، وكان حليفا في الجاهلية ، وذلك أن الجارود قال لسلمة بن عياض الأسدي : إن خارجا خرج بتهامة يزعم أنه نبي ، فهل لك أن نخرج إليه ؟ فإن رأينا خيرا دخلنا فيه ، فإنه إن كان نبيا فللسابق إليه فضيلة ، وأنا أرجو أن يكون النبي الذي بشر به عيسى ابن مريم . وكان الجارود نصرانيا قد قرأ الكتب .
ثم قال لسلمة : «ليضمر كل واحد منا ثلاث مسائل يسأله عنها ، لا يخبر بها صاحبه ، فلعمري لئن أخبر بها إنه لنبي يوحى إليه» . ففعلا .
فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الجارود : بم بعثك ربك يا محمد ؟ . قال : «بشهادة ألا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله ، والبراءة من كل ند أو وثن يعبد من دون الله تعالى ، وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة بحقها وصوم شهر رمضان وحج البيت ، من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد [فصلت 46]» .
قال الجارود : إن كنت يا محمد نبينا فأخبرنا عما أضمرنا عليه . فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنها سنة ثم رفع رأسه وتحدر العرق عنه فقال : «أما أنت يا جارود فإنك أضمرت على أن [ ص: 304 ]
تسألني عن دماء الجاهلية وعن حلف الجاهلية وعن المنيحة ، ألا وإن دم الجاهلية موضوع وحلفها مشدود . ولم يزدها الإسلام إلا شدة ، ولا حلف في الإسلام ، ألا وإن الفضل الصدقة أن تمنح أخاك ظهر دابة أو لبن شاة ، فإنها تغدو برفد ، وتروح بمثله . وأما أنت يا سلمة فإنك أضمرت على أن تسألني عن عبادة الأصنام ، وعن يوم السباسب وعن عقل الهجين ، فأما عبادة الأصنام فإن الله تعالى يقول : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون [الأنبياء 98] وأما يوم السباسب فقد أعقب الله تعالى منه ليلة خيرا من ألف شهر ، فاطلبوها في العشر الأواخر من شهر رمضان فإنها ليلة بلجة سمحة لا ريح فيها تطلع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها ، وأما عقل الهجين فإن المؤمنين إخوة تتكافأ دماؤهم يجير أقصاهم على أدناهم أكرمهم عند الله أتقاهم» .
فقالا : نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبد الله ورسوله .
وعند ابن إسحاق عمن لا يتهم عن
الحسن أن الجارود لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، ودعاه إليه ، ورغبه فيه . فقال : يا محمد إني كنت على دين وإني تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه» . فأسلم وأسلم أصحابه . ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان فقال : «والله ما عندي ما أحملكم عليه» . فقال : يا رسول الله فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس- وفي لفظ المسلمين- أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ؟ قال : «لا ، إياك وإياها فإنما تلك حرق النار» انتهى .
فقال : «يا رسول الله ادع لنا أن يجمع الله قومنا» . فقال «اللهم اجمع لهم ألفة قومهم وبارك لهم في برهم وبحرهم» . فقال الجارود : يا رسول الله أي المال أتخذ ببلادي ؟ قال : «وما بلادك ؟ » قال : مأواها وعاء ونبتها شفاء ، وريحها صبا ونخلها غواد . قال : «عليك بالإبل فإنها حمولة والحمل يكون عددا . والناقة ذودا» .
قال سلمة : يا رسول الله أي المال أتخذ ببلادي ؟ قال : «وما بلادك ؟ » قال : مأواها سباح ونخلها صراح وتلاعها فياح . قال : «عليكم بالغنم فإن ألبانها سجل وأصوافها أثاث وأولادها بركة ولك الأكيلة والربا» . فانصرفا إلى قومهما مسلمين . وعند
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه وكان حسن الإسلام صليبا على دينه حتى مات وقد أدرك الردة فثبت على إيمانه ، ولما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينه الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود فشهد شهادة الحق ودعا إلى الإسلام فقال : أيها الناس إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنمحمدا عبده ورسوله وأكفر من لم يشهد . وقال الجارود : [ ص: 305 ]
شهدت بأن الله حق بنات فؤادي بالشهادة والنهض فأبلغ رسول الله عني رسالة
بأني حنيف حيث كنت من الأرض وأنت أمين الله في كل خلقه
على الوحي من بين القضيضة والقض فإن لم تكن داري بيثرب فيكم
فإني لكم عند الإقامة والخفض أصالح من صالحت من ذي عداوة
وأبغض من أمسى على بغضكم بغضي وأدني الذي واليته وأحبه
وإن كان في فيه العلاقم من بغضي أذب بسيفي عنكم وأحبكم
إذا ما عدوكم في الرفاق وفي النقض وأجعل نفسي دون كل ملمة
لكم جنة من دون عرضكم عرضي
وقال سلمة بن عياض الأسدي رضي الله تعالى عنه :
رأيتك يا خير البرية كلها نشرت كتابا جاء بالحق معلما
شرعت لنا فيه الهدى بعد جورنا عن الحق لما أصبح الأمر مظلما
فنورت بالقرآن ظلمات حندس وأطفأت نار الكفر لما تضرما
تعالى علو الله فوق سمائه وكان مكان الله أعلى وأكرما
وروى
سليمان بن علي عن
علي بن عبد الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
أن الجارود رضي الله تعالى عنه أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه في قومه :
يا نبي الهدى أتتك رجال قطعت فدفدا وآلا فآلا
وطوت نحوك الصحاصح طرا لا تخال الكلال فيه كلالا
كل دهناء يقصر الطرف عنها أرقلتها قلاصنا إرقالا
وطوتها الجياد تجمح فيها بكماة كأنجم تتلألأ
تبتغي دفع بوس يوم عبوس أوجل القلب ذكره ثم هالا
تنبيهان
الأول : وقع في العيون :
الجارود بن بشر بن المعلى . قال في النور : والصواب حذف «ابن» ، يبقى
الجارود بشر بن المعلى .
الثاني : في بيان غريب ما سبق :
الجارود بن المعلى ويقال ابن عمرو بن المعلى أبو المنذر ويقال أبو غياث بمعجمة ومثلثة على الأصح وقيل بمهملة وموحدة ويقال اسمه بشر بن حنش بحاء مهملة ونون مفتوحتين فشين معجمة .
أن قد : بفتح الهمزة .
[ ص: 306 ]
ضوال : بفتح الضاد المعجمة وتخفيف الواو وتشديد اللام : جمع ضالة وهي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره يقال ضل الشيء إذا ضاع وضل عن الطريق إذا حار ، وهي في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على الذكر والأنثى والاثنين .
والجمع والمراد بها في هذا الحديث الضالة من الإبل والبقر مما يحمي نفسه ويقدر على الإبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم .
حرق النار : بفتح الحاء المهملة والراء وبالقاف : لهبها [وقد يسكن] والمعنى أن ضالة المؤمن إذا أخذها إنسان ليتملكها أدته إلى النار .
صليبا على دينه : قويا ثابتا .
مع
الغرور بن المنذر : بغين معجمة بلا ميم في أوله خلافا لما وقع في بعض نسخ العيون : أسلم [
الغرور ] ثم ارتد بعد ارتداده ، واسمه
المنذر وسمي بالأول لأنه غر قومه .
الفدفد : بفاءين مفتوحتين بعد كل فاء دال مهملة الأولى ساكنة : وهي الفلاة لا شيء فيها وقيل هي الأرض الغليظة ذات الحصى وقيل المكان المرتفع .
الآل : السراب وقال في الصحاح [والآل الشخص ، والآل الذي تراه في أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص وليس هو السراب] .
الصحاصح : جمع صحصح بفتح الصاد وبعد كل صاد حاء الأولى ساكنة وهي مهملات : وهو والصحصاح [والصحصحة] والصحصحان ما استوى من الأرض .
طرا : بضم الطاء المهملة وتشديد الراء : جميعا .
الدهناء : بفتح الدال المهملة وسكون الهاء وبالنون والمد والقصر : موضع ببلاد
بني تميم . الإرقال : بكسر الهمزة وإسكان الراء وبالقاف وباللام : وهو ضرب من العد وفوق الخبب ، وقد أرقل البعير وناقة مرقل إذا كانت كثيرة الإرقال .
القلاص : بكسر القاف وتخفيف اللام وبالصاد المهملة جمع قلوص بفتح القاف وضم اللام المخففة : وهو الفتي من الإبل وهو في النوق كالجارية في النساء .
جمح : بفتح الجيم والميم والحاء المهملة : أسرع .
الكماة : بضم الكاف وتخفيف الميم وبعد الألف بتاء [تأنيث] جمع كمي وهو الشجاع المتكمي لأنه كمى نفسه أي سترها بالدرع والبيضة .
أوجل القلب ذكره : القلب مفعول ذكره .
هاله : أفزعه .
[ ص: 307 ]