ومنها : أنه لم يزل ولا يزال غضا طريا في أسماع السامعين وعلى ألسنة القارئين ، ومنها : جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لا يجتمعان غالبا في كلام البشر .
ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره ، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه ، كما قال سبحانه وتعالى
إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون [النمل - 76] ، وقال
القاضي وغيره من العلماء : [ . . . . ] اختلف الناس في الوجه الذي وقع به إعجاز القرآن على أقوال حاصلها : أنه وقع بعدة وجوه منها : ما يخص حسن تأليفه ، ومنها : التئام كلمه ، وفصاحته ، ووجوه إيجازه ، من قصر وحذف جزء جملة مضاف أو موصوف أو صفة في نحو «واسأل القرية» أي أهلها ، ومنادون أي برجال ، و «يأخذ كل
[ ص: 422 ]
سفينة غصبا» أي سفينة صالحة ، وغير ذلك مما استدل عليه من وجوه الإعجاز ، وبلاغته الخارقة لعادة
العرب في عجائب تراكيبهم ومنها صورة نظمه العجيب ، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام
العرب ، ومنهاج نظمها ونثرها ، الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته ، وانتهت إليه فواصل كلماته ، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له ، ومنها : ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات ، وما لم يكن موجودا فوجد كما ورد .
ومنها
إنباؤه عن أخبار القرون الماضية والأمم البائدة والشرائع السالفة ما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك ، فيورده سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم على وجهه ، ويأتي به على نصه ، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب .
ومنها : ما تضمنه عن الإخبار بالضمائر كقوله تعالى
إذ همت طائفتان منكم [آل عمران - 122] وقوله :
ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول [المجادلة : 8] .
ومنها آي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها ، فما فعلوا ، ولا قدروا على ذلك كقوله في
اليهود : ولن يتمنوه أبدا [البقرة - 95] .
ومنها ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة .
ومنها : الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته ، كما وقع
لجبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والطور ، فلما بلغ هذه الآية
أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون إلى قوله
المصيطرون [الطور - 35- 37] كاد قلبي [ . . . . ] أن يطير ، قال : وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي ، وقد سمع غير واحد آيات منه ، فمات لوقته ، وألف بعضهم كتابا فيمن قتله القرآن .
ومنها : أن قارئه لا يمله ، وسامعه لا يمجه ، بل الإكباب على تلاوته ، يزيده حلاوة ، وترديده يوجب له محبة وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد ، ويمل مع الترديد ، ولهذا
وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بأنه لا يخلق على كثرة «الترداد» .
ومنها : كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله عز وجل بحفظه ، ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ، ولا أحاط بعلمها أحد ، في كلمات قليلة ، وأحرف معدودة .
ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة ، وهما كالمتضادين لا يجتمعان في كلام البشر غالبا .
ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره ، وجعل غيره من الكتب قد يحتاج إليه كما قال
[ ص: 423 ]
تعالى :
إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون [النمل - 76]