الثالثة : اختلف في
تفاوت القرآن في مراتب الفصاحة ، بعد اتفاقهم على أنه في أعلى مراتب البلاغة بحيث لا يوجد في التراكيب ما هو أشد تناسبا ولا اعتدالا في إفادة ذلك المعنى منه ، فاختار
القاضي المنع ، وأن كل كلمة فيه موصوفة بالذروة العليا ، وإن كان بعض الناس أحسن إحساسا له من بعض ، واختار
أبو النصر القشيري وغيره التفاوت ، فقال : لا ندعي أن كل ما في القرآن على أرفع الدرجات في الفصاحة وكذا قال غيره : في القرآن الأفصح والفصيح ، وإلى هذا نحا الشيخ
عز الدين بن عبد السلام ، ثم أورد سؤالا ، وهو إنه لم يأت القرآن جميعه
[ ص: 425 ]
بالأفصح ؟ وأجاب عنه
الصدر موهوب الجزري بما حاصله أنه لو جاء القرآن على ذلك لكان على غير النمط المعتاد في كلام
العرب من الجمع بين الأفصح والفصيح ، فلا تتم الحجة في الإعجاز فجاء على نمط كلامهم المعتاد ، ليتم ظهور العجز عن معارضته ، ولا يقولوا مثلا أتيت بما لا قدرة لنا عليه أو على جنسه كما لا يصح للبصير أن يقول للأعمى : قد غلبتك بنظري ، لأنه يقول له : إنما تتم لك الغلبة ، لو كنت قادرا على النظر ، وكان نظرك أقوى من نظري ، فأما إذا فقد أصل النظر ، فكيف يصح من المعارضة والله أعلم .