تنبيه :
قال العلماء : ومعنى قوله : «كنت سمعه» إلى آخره؛ أي صار سمعه الله ، وبصره كذلك ، وقوله : «عادى» أي آذى ، وأغضب بالقول والفعل ، حال من قوله : «وليا» قدم عليه لتنكيره وجعل ظرفا لغوا ، وقوله : وليا ، فقيل : إما بمعنى «فاعل» كعليم وقدير ، فيكون معناه «الموالي لطاعة ربه» ، وإما بمعنى «مفعول» كقتيل وجريح ، لأن الله تعالى تولاه ، قال الله تعالى :
وهو يتولى الصالحين ، وقوله : «آذنته» بالمد وفتح المعجمة بعدها نون ، أي أعلمته ، وقد استشكل وقوع المحاربة ، وهي مفاعل من الجانبين ، مع أن المخلوق من أمر الخالق ، والجواب من أنه من المخاطبة بما يفهم ، فإن الحرب الهلاك ، والله تعالى لا يغلبه غالب ، فكأن المعنى تقرير لإهلاكي إياه ، فأطلق
تاج الدين بن الفاكهاني في هذا تهديد ، لأن من حارب الله تعالى وعانده ، ومن عانده أهلكه ، وفي بعض الأحاديث القدسية :
إني لأغضب لأوليائي ، كما يغضب الليث الحرد .
وروى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في كتاب الزهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال : إن الله
[ ص: 236 ] تعالى قال
لموسى بن عمران حين كلمه : واعلم أن
من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرض بنفسه ودعاني إليها ، فأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي ، أيظن الذي يحاربني أن يقوم لي أو يظن الذي يغازيني أن يعجزني ، أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني ؟ ! وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أكل نصرتهم إلى غيري ؟ !» فتأمل رحمك الله هذا التهديد الشديد لمن آذى أحدا من أولياء الله تعالى ، والخائض في هذا الوادي ، المتضمن بسالكه إلى المهالك ، إنما يضر نفسه ، ولا يلتحق بالولي شيء من ذلك ، وما مثله إلا كما قيل :
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وقال غيره :
ما يضر البحر زاخرا إن رمى فيه صغير بحجر
ورحم الله الإمام العالم العلامة الشيخ
شهاب الدين المنصوري حيث قال :
أجدر الناس بالعلا العلماء فهم الصالحون والأولياء
سادة ذو الجلال أثنى عليهم وعلى مثلهم يطيب الثناء
وبهم تمطر السماء وعنا يكشف السوء ويزول البلاء
خشيه الله فيهم ذات حضرا ففي غيرهم يكون العلاء
فالبرايا جسم وهم فيه روح والبرايا موتى وهم أحياء
فتعفف عن لحمهم فهو سم حل منه الضنا وعز الشفاء
قد سموا قطبة وزادوا ذكاء فعمي عليهم الأنباء
قلت للجاهل المشاقق فيهم هل جزاء الشقاق إلا الشقاء
قد رأينا لكل دهر عيونا ولعمري هم للعيون ضياء
لا يسألون ما يقول جهول أنهيق كلامه أم عواء
وإذا الكلب في ظلام الليالي شبح الأرض لا تبالي السماء
فلبسوا بالشقاء كل جهول ولتفز بالسعادة العلماء
قال الإمام الحافظ
أبو القاسم علي بن عساكر رحمه الله تعالى في كتابه «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام
أبي الحسن الأشعري» : لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقضيهم معلومة .
[ ص: 237 ]
قال في موضع آخر : لحوم العلماء سم من شمها مرض ، ومن ذاقها مات ، انتهى .
فإن قيل : فهل يكون الولي معصوما ؟ قيل : إما وجوبا كما في الأنبياء فلا ، وإما أن يكون محظوظا فممكن ، فإن قيل : فهل يجوز أن يعلم الولي ولايته ؟ قيل : منعه الإمام
ابن فورك؛ لأن ذلك يسلبه الخوف ، ويوجب له الأمن ، وأجازه
أبو القاسم القشيري ، وقال : هو الذي نؤثره ونقول به ، وليس ذلك واجبا في جميع الأولياء ، حتى يكون كل ولي يعلم أنه ولي ، ولكن يجوز أن يعلم ذلك؛ ولهذا قال بعضهم : يجوز أن يبلغ الولي إلى حد يمنع يسقط عنه الخوف ، ولكن الغالب خلافه ، وهذا
السري السقطي ، يقول : لو أن أحدا دخل بستانا فيه أشجار على كل شجرة طير يقول بلسان فصيح : السلام عليك يا ولي الله ، فلو لم يخف أنه مكر ، لكان ممكورا به ، فإن قلت : هل يجوز أن يكون وليا في الحال ثم يتغير حاله ؟ قيل : فيه خلاف مبني على خلاف ، وذلك أنه اختلف هل يشترط في الولاية حسن الموافاة أم لا ؟ فمن شرط ذلك لم يخبره ، ومن لم يشترط أجازه ، ولكن الغالب على الولي في أوان صحوة صدقه في أداء حقوقه تعالى ، والشفقة على الخلق في جميع أحوالهم ، ودوام تحمله عنهم وابتدائه بطلب الإحسان من الله تعالى إليهم ، من غير التماس منهم ، وترك الطمع بكل وجه فيهم ، وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم ، ودوام حزنه وغير ذلك ، كما هو معروف عند أهله ، نفعنا الله بهم ، ولا حرمنا بركته .