[ ص: 158 ] الباب الثالث عشر في
سفره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية إلى الشام
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : وله من العمر خمس وعشرون سنة .
زاد غيره : لأربع عشرة ليلة من ذي الحجة .
وروى
ابن سعد وابن السكن nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم عن
نفيسة بنت منية قالت : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له
بمكة اسم إلا الأمين لما تكامل فيه من خصال الخير ، قال له
أبو طالب : يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة وليست لنا مادة ولا تجارة ، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام
nindex.php?page=showalam&ids=10640وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع ، فلو جئتها وعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك ، لما يبلغها عنك من طهارتك وإن كنت أكره أن تأتي
الشام ، وأخاف عليك من يهود ، ولكن لا تجد من ذلك بدا .
وكانت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير
قريش ، وكانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم الأموال مضاربة ، وكانت
قريش قوما تجارا ومن لم يكن تاجرا من
قريش فليس عندهم بشيء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلعلها ترسل إلي في ذلك . فقال
أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك فتطلب أمرا مدبرا . فافترقا .
وبلغ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة ما كان من محاورة عمه له وقبل ذلك ما كان من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه ، فقالت : ما علمت أنه يريد هذا .
ثم أرسلت إليه فقالت : إنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك ، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك .
ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم لقي عمه
أبا طالب فذكر له ذلك فقال : إن هذا لرزق ساقه الله إليك .
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غلامها
ميسرة ، وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة لميسرة : لا تعص له أمرا ولا تخالف له رأيا .
فخرج هو
وميسرة وعليه غمامة تظله وجعل عمومته يوصون به أهل العير .
فخرج حتى قدم
الشام فنزلا في سوق
بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يقال له
نسطورا . فاطلع الراهب إلى
ميسرة - وكان يعرفه- فقال : يا
ميسرة من هذا الذي نزل
[ ص: 159 ] تحت هذه الشجرة؟ فقال
ميسرة : رجل من
قريش . فقال الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، أفي عينيه حمرة؟ قال
ميسرة : نعم لا تفارقه . فقال الراهب : هو هو ، وهو آخر الأنبياء ، ويا ليت أني أدركه حيث يؤمر بالخروج .
وعند
أبي سعد النيسابوري في الشرف : فلما رأى الغمامة فزع وقال : ما أنتم؟ قال :
ميسرة غلام
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة ، فدنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرا من
ميسرة وقبل رأسه وقدميه وقال : آمنت بك وأنا أشهد أنك الذي ذكره الله في التوراة . ثم قال : يا
محمد قد عرفت فيك العلامات كلها خلا خصلة واحدة فأوضح لي عن كتفك . فأوضح له ، فإذا هو بخاتم النبوة يتلألأ ، فأقبل عليه يقبله ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله النبي الأمي الذي بشر بك
عيسى ابن مريم فإنه قال :
لا ينزل بعدي تحت هذه الشجرة إلا النبي الأمي الهاشمي العربي المكي صاحب الحوض والشفاعة وصاحب لواء الحمد . انتهى .
فوعى
ميسرة ذلك .
ثم حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق
بصرى فباع سلعته التي خرج بها واشترى ، فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة فقال الرجل : احلف باللات والعزى .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما حلفت بهما قط
. فقال الرجل : القول قولك . ثم قال
لميسرة وخلا به :
يا ميسرة هذا نبي هذه الأمة والذي نفسي بيده إنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم ، فوعى
ميسرة ذلك .
ثم انصرف أهل العير جميعا ، وكان
ميسرة يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الهاجرة واشتد الحر ، يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره . وكان الله تعالى قد ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة من
ميسرة ، فكأنه عبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعند
أبي سعد في «الشرف» أنهم باعوا متاعهم وربحوا ربحا لم يربحوا مثله قط ، فقال
ميسرة : يا
محمد اتجرنا
لخديجة أربعين سنة ما رأيت ربحا قط أكثر من هذا الربح على وجهك .
فلما كانوا بمر
الظهران قال
ميسرة للنبي صلى الله عليه وسلم : هل لك أن تسبقني إلى
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة فتخبرها بالذي جرى لعلها تزيدك بكرة إلى بكرتيك . فركب النبي صلى الله عليه وسلم قعودا أحمر فتقدم حتى دخل
مكة في ساعة الظهيرة
nindex.php?page=showalam&ids=10640وخديجة في علية لها معها نساء فيهن
نفيسة بنت منية فرأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك .
ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا فسرت بذلك وقالت : أين
ميسرة؟
قال : خلفته في البادية .
قالت : عجل إليه ليعجل بالإقبال . وإنما أرادت أن تعلم أهو الذي رأت
[ ص: 160 ] أم غيره . فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصعدت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة تنظر فرأته على الحالة الأولى فاستيقنت أنه هو ، فلما دخل عليها
ميسرة أخبرته بما رأت وأخبرها بقول الراهب نسطورا وبقول الآخر الذي خالفه في البيع .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : فلما رأت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة أن تجارتها قد ربحت أضعفت له ما سمت .
وكانت قد ذكرت
لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وكان ابن عمها وكان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس ، ما ذكر لها غلامها
ميسرة من قول الراهب وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه ، فقال ورقة : يا
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة إن
محمدا لنبي هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر ، هذا زمانه . أو كما قال :
وجعل
ورقة يستبطئ الأمر وله في ذلك أشعار منها ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير عن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : أتبكر أم أنت العشية رائح وفي الصدر من إضمارك الحزن فادح لفرقة قوم لا أحب فراقهم
كأنك عنهم بعد يومين نازح وأخبار صدق خبرت عن محمد
يخبرها عنه إذا غاب ناصح فتاك الذي وجهت يا خير حرة
بغور وبالنجدين حيث الصحاصح إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت
وهن من الأحمال قعص دوالح فخبرنا عن كل حبر بعلمه
وللحق أبواب لهن مفاتح بأن ابن عبد الله أحمد مرسل
إلى كل من ضمت عليه الأباطح وظني به أن سوف يبعث صادقا
كما أرسل العبدان هود وصالح وموسى وإبراهيم حتى يرى له
بهاء ومنشور من الذكر واضح ويتبعه حيا لؤي بن غالب
شبابهم والأشيبون الجحاجح فإن أبق حتى يدرك الناس أمره
فإني به مستبشر الود فارح وإلا فإني يا nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة فاعلمي
عن أرضك في الأرض العريضة نازح
وقال أيضا :
لججت وكنت في الذكرى لجوجا لهم طالما بعث النشيجا
[ ص: 161 ] ووصف من nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بعد وصف فقد طال انتظاري يا nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجا
ببطن المكتين على رجائي حديثك أن أرى منه خروجا
بما أخبرتنا من قول قس من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود قوما ويخصم من يكون له حجيجا
ويظهر في البلاد ضياء نور يقيم به البرية أن تموجا
فيلقى من يحاربه خسارا ويلقى من يسالمه فلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم شهدت فكنت أولهم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش ولو عجت بمكتها عجيجا
أرجي بالذي كرهوا جميعا إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا
وهل أمر السفاهة غير كفر بمن يختار من سمك البروجا
فإن يبقوا وأبق تكن أمور يضج الكافرون لها ضجيجا
وإن أهلك فكل فتى سيلقى من الأقدار متلفة خروجا