سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
السابعة : وباصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة كجارية وغيرها .

روى أبو داود عن الشعبي- رضي الله تعالى عنه- قال : كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا أو أمة أو فرضا يختاره قبل الخمس وقبل كل شيء .

وروى عن ابن عون- رضي الله تعالى عنه- قال : سألت محمد بن سيرين عن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفي قال : كان يصرف له مع المسلمين سهم ، وإن لم يشهدوا الصفي يؤخذ له من رأس الخمس قبل كل شيء .

وروى ابن سعد وابن عساكر عن عمر بن الحكم- رضي الله تعالى عنه- قال : لما سبيت بنو قريظة ، عرض السبي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت فيه ريحانة بنت زيد بن عمرو فأمر بها فعزلت وكان يكون له صفي من كل غنيمة .

قال أبو عمر : سهم الصفي مشهور في صحيح الآثار ، معروف عند أهل العلم ولا يختلف أهل السير في أن صفيه منه .

وأجمع العلماء على أنه خاص به .

وذكر الرافعي أن ذا الفقار كان من الصفي .

الثامنة : وبخمس الخمس من الفيء والغنيمة .

التاسعة : وبأربعة أخماس الخمس بتمامها .

قال الله سبحانه وتعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [الأنفال - 41] ، فسهم الرسول هو المراد ، وقال سبحانه وتعالى : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول [الحشر - 7] الآية .

روى الإمام أحمد والشيخان عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال : إن الله تعالى كان [ ص: 430 ]

يخص رسوله في هذا الفيء ما لم يعطه أحدا غيره ، فقال :
وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير
[الحشر - 6] . فكانت هذه خاصة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان ينفق على أهله نفقتهم سنة ثم يأخذ ما بقي ، فيجعله مجعل مال الله ، فعمل بذلك حياته ، فقال أبو بكر : أنا أولى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

وروى أبو داود والحاكم عن عمرو بن عنبسة- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم" .

العاشرة : وبدخول مكة بغير إحرام على القول بوجوبه في حق غيره على تفصيل فيه ، والأصح استحبابه .

روى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام .

وذكر القضاعي أن ذلك مما اختص به دون من قبله من الأنبياء ، وتقدمت أحاديث في ذلك في باب لباسه-صلى الله عليه وسلم- .

الحادية عشرة : وبأن مكة أحلت له ساعة من نهار .

قال القضاعي : خص بذلك من بين سائر الأنبياء .

الثانية عشرة : وبأن ماله لا يورث عنه وكذلك الأنبياء ، عليهم أن يوصوا بكل مالهم صدقة .

روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "لا نورث ما تركناه صدقة" .

وروى النسائي أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال لعبد الرحمن وسعد وعثمان وطلحة والزبير : أتشهدون بالله الذي قامت له السموات والأرض ، أسمعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ؟ قالوا : اللهم ، نعم .

والحكمة في أن الأنبياء لا يورثون ، أن لا يظن بهم مبطل أنهم يجمعون الدنيا لورثتهم ، فقطع الله ظن المبطل ، ولم يجعل للورثة شيئا .

وقال الشيخ نصر الدين المقدسي : المعنى والله تعالى أعلم- أن الأنبياء- صلوات الله ، وسلامه عليهم- لا يورثون ، لأنه يقع في قلب الإنسان شهوة موت مورثه ليأخذ ماله في الغالب ، فنزه الله تعالى الأنبياء وأهاليهم عن مثل ذلك ، فقطع الإرث عنهم . [ ص: 431 ]

فإن قيل : ما الجواب عن قوله : وورث سليمان داود [النمل - 16] ، وقوله- تبارك وتعالى- حكاية عن زكريا : فهب لي من لدنك وليا يرثني [مريم - 5 ، 6] ، وعموم قوله تقدس اسمه : يوصيكم الله في أولادكم [النساء - 11] ، فالجواب أن يقال : المراد الوراثة في النبوة والعلم والدين لا المال . ويؤيد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- : "العلماء ورثة الأنبياء"

وأما : يوصيكم الله [النساء - 11] فهي عامة لمن ترك شيئا كان يملكه ، وإذا ثبت أنه وقفه قبل موته ، فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث ، وعلى تقدير أنه خلف شيئا فما كان ملكه فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما عرف من كثرة خصائصه -صلى الله عليه وسلم- وقد صح عنه أنه لا يورث ، فخص من عموم المخاطبين وهم الأمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية