سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات :

الأول : قد تقدم أن أم بردة خولة بنت المنذر أرضعته ، والمشهور برضاعه أم سيف ، وسماها القاضي عياض خولة بنت المنذر ، فليحرر .

الثاني : لا تضاد بين حديث أنس وبين قول ابن الزبير أن التسمية كانت يوم سابعه ، بل ذلك محمول على أن التسمية كانت قبل السابع على ما اقتضاه حديث أنس ، ثم ظهرت التسمية يوم السابع ، ويحمل أمره صلى الله عليه وسلم بالأمر بالتسمية في اليوم السابع على أنه لا يؤخر عن السابع؛ لأنها لا تكون إلا فيه وهي مشروعة من وقت الولادة إلى يوم السابع . قاله المحب الطبري .

الثالث : قال الحكيم الترمذي : الولد من ريحان الله تعالى يشمه المؤمن فيلتذ به ، فكأنه أحب أن يتزود من ريحان الله -تعالى- عند آخر العهد به ، وانكبابه عليه يدل على اشتمامه ، وكذلك قيل : ريح الولد من ريح الجنة ، فانكبابه على إبراهيم عند إدراجه في أكفانه تزود منه ، وبكاؤه توجع منه لمفارقة من يشمه ريحانا من الله ، وإنما قيل : من ريحان الله تعالى فنسب إلى الله -عز وجل- لأنه هبة الله فالهبة منه حشوها البر واللطف ، وظاهرها الابتلاء ، وقد يكون بكى رحمة له؛ لأن أجساد الأموات إنما زانت بالأرواح وأشرقت بالعبودية .

الرابع : روى الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه .

قال الحافظ : إسناده حسن وصححه ابن حزم ، لكن قال الإمام أحمد في رواية "حسل" عنه : حديث منكر ، وقال الخطابي : حديث عائشة أحسن اتصالا من الرواية التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم قال : "ولكن هي أولى" .

وقال ابن عبد البر : حديث عائشة لا يصح ، فقد أجمع جماهير العلماء على الصلاة على الأطفال إذا استشهدوا ، وهو عمل مستفيض في السلف والخلف ، ولا أعلم أحدا جاء عنه غير هذا إلا عن سمرة بن جندب ، ثم قال : وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يصل عليه في جماعة ، أو أمر أصحابه بالصلاة عليه فلم يحضرهم ، فلا يكون مخالفا لما عليه العلماء في ذلك ، وهو أولى ما حمل عليه حديثها .

قال النووي : ذهب الجمهور إلى أنه صلى الله عليه وسلم صلى وكبر أربع تكبيرات .

واختلف قول من قال : إنه لم يصل عليه في سبب ذلك ، فقالت طائفة : استغنى بنبوة [ ص: 28 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة التي هي شفاعة له ، كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلاة عليه .

وقالت طائفة أخرى : إنه مات يوم كسفت الشمس فاشتغل بصلاة الكسوف عن الصلاة عليه .

وقالت فرقة أخرى : لا تعارض بين هذه الآثار في أنه أمر بالصلاة عليه . وفي رواية أخرى : والمثبت أولى؛ لأن معه زيادة علم ، وإذا تعارض النفي والإثبات قدم الإثبات .

وقيل : إنما لم يصل عليه؛ لأنه نبي ، ولا يصلى على نبي؛ فقد ورد "لو عاش لكان نبيا" وهذا ليس بشيء؛ فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه .

الخامس : قد استنكر أبو عمر حديث أنس فقال بعد إيراده في "التمهيد" : هذا لا أدري ما هو ، فقد ولد نوح -عليه الصلاة والسلام- من ليس نبيا ، وكما يلد غير النبي نبيا ، فكذلك يجوز أن يلد النبي غير نبي ، والله أعلم ، ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل واحد نبيا؛ لأنه من ولد نوح -عليه السلام- وذا آدم نبي مكلم وما أعلم في ولده لصلبه نبيا غير شيث .

قال النووي في ترجمة إبراهيم من "تهذيبه" وأما ما روي : لو عاش لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات ، ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلات .

وقال الحافظ : وهو عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة ، وكأنه لم يظهر له وجه تأويله .

فقال في إنكاره : وجوابه أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحابي أنه يهجم على مثل هذا بظنه ، ذكره في الإصابة ، وقال في الفتح : قلت : ولو استحضر النووي هذه الأحاديث لما قال ما قال .

التالي السابق


الخدمات العلمية