سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ومن مناقبه الكبار : جمع المصحف ، وحرق ما سواه .

  وروى أبو بكر بن داود في كتاب المصاحف بسنده عن سويد بن غفلة قال : قال علي - رضي الله تعالى عنه - حين حرق عثمان المصاحف : لو لم يصنعه هو لصنعته ، وهكذا [ ص: 286 ] رواه أبو داود الطيالسي وعمر بن مسروق عن شعبة ، وسبب ذلك خشية الاختلاف في القرآن العظيم ، فإن حذيفة كان في بعض الغزوات وقد اجتمع فيها خلق عظيم من أهل الشام فكان بعضهم يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود ، وأبي الدرداء ، وجماعة من أهل العراق يقرؤون على قراءة ابن مسعود ، وأبي ، فجعل من لم يعلم أن القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره ، وربما يجاوز ذلك إلى تخطئته وكفره ، فأدى ذلك إلى اختلاف شديد ، فركب حذيفة إلى عثمان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم ، فعند ذلك جمع عثمان الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وشاورهم في ذلك ، واتفقوا على كتابة المصحف وأن يجتمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه فاستدعى بالصحف التي كان الصديق - رضي الله تعالى عنه - قد أمر زيد بن ثابت بكتابته وجمعه ، فكان عند الصديق أيام حياته ، ثم كان عند عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فلما توفي صار إلى حفصة ، فاستدعى به عثمان ، وأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكتب وأن يملي عليه سعيد بن العاص الأموي ، يحضره عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش ، فكتبوا لأهل الشام مصحفا ولأهل مصر آخر وبعث إلى البصرة مصحفا ، وإلى الكوفة آخر ، وآخر إلى مكة ، وآخر إلى المدينة ، وأقر بالمدينة مصحفا ، وليست كلها بخط عثمان ، بل ولا واحد منها ، وإنما هي بخط زيد بن ثابت ، وإنما يقال لها المصاحف العثمانية نسبة إلى أمره وزمانه وخلافته .

  وروى البيهقي وغيره بسنده عن سويد بن غفلة قال : قال علي : أيها الناس ، يقولون : عثمان حرق المصاحف ، والله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولو وليت مثل ما ولي لفعلت مثل الذي فعل ، وكان ذلك بإجماع الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - أجمعين .

[ ص: 287 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية