سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السادس في ذكر من كان على نفقته وخاتمه وسواكه ونعله والآذن عليه- صلى الله عليه وسلم -

كان بلال على نفقاته ، ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي على خاتمه وابن مسعود على سواكه ونعله وأبو رافع على ثقله ، والآذن عليه رباح الأسود وأسد مولياه ، وأنس بن مالك وأبو موسى الأشعري .

روى الطبراني برجال الصحيح غير محمد بن عبادة بن زكريا ، وهو ثقة عن أبي ميسرة قال : كان أيمن على مطهرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وثعلبة يعاطيه حاجته ، وكان صاحب نعله وسواكه عبد الله بن مسعود بن غافل بالغين المعجمة وفاء- ابن حبيب بن شمخ- بالشين والخاء المعجمتين- ابن مخزوم ، وقيل : ابن فارس بن مخزوم بن صاهلة بن الحارث بن تيم ابن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو عبد الرحمن الهذلي صاحب النبي- صلى الله عليه وسلم- أحد السابقين الأولين ، حليف بني زهرة ، كان أبوه قد حالف عبد الحارث بن زهرة ، شهد بدرا والمشاهد كلها كان يلي نعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلبسه إياها ، فإذا جلس أدخلهما في ذراعه ، وكان يلزم النبي- صلى الله عليه وسلم- ويدخل عليه [وينقض شعره] وكان لطيفا قصيرا جدا أسمر شديدا نحيفا أحمش الساقين ذا بطن حسن النبرة ، نظيف الثوب ، طيب الريح وافر العقل سديد الرأي كثير العلم فقيه النفس كبير القدر ، وقال ابن إسحاق : أسلم بعد اثنتين وعشرين نفسا ، توفي أيام عثمان سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة على الأصح ، عن ثلاث وستين سنة .

قال أبو نعيم : كان ابن مسعود يوقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نام ، ويستره إذا اغتسل ، ويماشيه في الأرض .

وروى الطبراني عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- أنه قال : لقد رأيتني وإني لسادس ستة ، ما على الأرض مسلم غيرنا .

وروى عن أبي موسى قال : مكثت حينا وما أحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي- صلى الله عليه وسلم- لما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي- صلى الله عليه وسلم- .

وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد . [ ص: 401 ]

وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كان ابن مسعود صاحب سرار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعني سره وصاحب وساده يعني فراشه وصاحب سواكه ونعليه وطهوره .

وروى البزار والطبراني برجال ثقات عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : لقد رأيتني وأنا لسادس ستة ما على الأرض مسلم غيرنا .

وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد ، وابن منيع ، وأبو يعلى - برجال ثقات- عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه- أنه كان يجتني سواكا من أراك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعلت الريح تكفؤه ، وكان في ساقيه دقة ، فضحك أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : ما يضحككم ؟ فقالوا : دقة ساقيه ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «لهما أثقل في الميزان من أحد» .

وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى عن علي - رضي الله تعالى عنه- قال : أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود أن يصعد شجرة ، فيأتيه بشيء منها ، فنظر أصحابه إلى حموشة ساقيه ، فضحكوا منها ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «ما تضحكون ؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد » .

وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن القاسم - رحمه الله تعالى- قال : كان أول من أفشى القرآن زمن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة عبد الله بن مسعود .

وروى أحمد بن منيع - برجال ثقات- عن عتبة بن عمرو - رضي الله تعالى عنه- قال : ما أرى رجلا أعلم بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم- من عبد الله ، يعني ابن مسعود ، فقال أبو موسى - رضي الله تعالى عنه- : لئن قلت ذلك ، لقد كان يسمع حين لا نسمع ويدخل حيث لا ندخل .

وروى أحمد بن منيع ، والإمام أحمد - برجال الصحيح- عن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه- قال : أشهد على رجلين توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يحبهما : ابن سمية ، يعني عمار بن ياسر وابن مسعود .

وروى الحارث وابن أبي عمر عن القاسم بن عبد الرحمن - رحمه الله تعالى- قال : كان ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- يلبس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعليه ، ثم يأخذ العصا فيمشي بها بين يديه ، فإذا بلغ مجلسه خلع نعليه من رجليه ، فأدخلهما ذراعيه ، وأعطاه العصا ، فإذا قام ألبسه نعليه ، ثم يمشي أمامه حتى يدخل الحجرة قبله .

وروى الحارث عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : كنت أستر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل ، وأوقظه إذا نام ، وأمشي معه في الأرض الوحشاء .

وروى أبو يعلى والطبراني بسند ضعيف ، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : ما [ ص: 402 ]

كذبت منذ أسلمت إلا كذبة كنت أرحل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأتى رجل من الطائف فقال :

أي الرحلة أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت : الطائفية المتكأة وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكرهها قال : فلما أتي بها قال من رحل لنا هذه ؟ قالوا : رحل لك الذي أتيت به من الطائف قال : «ردوا الرحلة إلى ابن مسعود »
.

وروى الطبراني برجال الصحيح عن قيس بن أبي حازم - رحمه الله تعالى- قال : رأيت ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- لطيفا .

وروى الطبراني - برجال ثقات- عن حارثة بن مضرب - رضي الله تعالى عنه- قال :

كتب عمر - رضي الله تعالى عنه- إلى أهل الكوفة : قد بعثت عمارا أميرا ، وعبد الله وزيدا وهما من النجباء ، من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أهل بدر ، فاقتدوا بهما ، واسمعوا من قولهما ، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي .

وروى الطبراني برجال الصحيح عن زيد بن وهب قال : إنا لجلوس مع عمر ، فجاء عبد الله يكاد الجلوس يوازنونه من قصره ، فضحك عمر حين رآه ، فجعل يكلم عمر ويضاحكه وهو قائم عليه ، ثم ولى فأتبعه عمر بصره حتى توارى فقال : كيف ملئ فقها . انتهى .

وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : ما بقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم أحد إلا أربعة ، أحدهم : عبد الله بن مسعود .

وروى البزار - بإسناد رجاله ثقات- غير محمد بن حميد الرازي ، وهو ثقة تكلم فيه ، والطبراني - وسنده منقطع- عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد ، وكرهت لأمتي ما كره لها ابن أم عبد » .

وروى الطبراني - برجال ثقات- إلا أن عبيد الله بن عثمان بن خيثم ، لم يدرك أبا الدرداء ، - عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه- قال لابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قم فاخطب ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس ، إن الله عز وجل ربنا ، وإن الإسلام ديننا ، وإن القرآن إمامنا وإن البيت قبلتنا وإن هذا نبينا ، وأومأ بيده إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :

رضينا ما رضي الله ورسوله لنا ، وكرهنا ما كره الله لنا ورسوله ،

فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :

«أصاب ابن أم عبد وصدق ، رضيت بم رضي الله لي ولأمتي وابن أم عبد ، وكرهت ما كره الله تعالى لي ولأمتي وابن أم عبد
. [ ص: 403 ]

وروى أبو يعلى - برجال الصحيح- عن قيس بن مروان ، وهو ثقة قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه- وهو بعرفة فقال : يا أمير المؤمنين ، جئت من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه ، قال : فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل فقال : ويحك ، من هو ؟ قال : فقال : عبد الله بن مسعود ، فما زال عمر يطفئ ويسري عنه الغضب حتى عاد إلى حالته التي كان عليها . فقال : ويحك والله ما أعلم أحدا بقي من الناس هو أحق بذلك منه ، وسأحدثك عن ذلك .

كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة ، كذلك في أمر من أمر المسلمين ، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه ، ثم خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمشي ، ونحن نمشي معه ، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد ، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستمع قراءته ، فلما كدنا أن نعرف الرجل ،

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ، قال : ثم جلس الرجل يدعو ، فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : «سل تعطه»

فقال عمر : فقلت : والله لأغدون إليه فلأبشرنه قال : فغدوت عليه لأبشره ، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره فقلت : «والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه»


وفي رواية : «فوجدت أبا بكر خارجا من عنده ، فقلت : إن فعلت إنك لسباق بالخير .

وروى الطبراني والبزار ورجاله ثقات ، عن عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنه- قال : إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل ، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد .

وروى الطبراني بسند ضعيف ، عن أبي الطفيل - رضي الله تعالى عنه- قال : ذهب ابن مسعود وناس معه إلى كبات ، فصعد ابن مسعود شجرة ليجتني منها ، فنظروا إلى ساقيه ، فضحكوا من حموشتها ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : إنهم لأثقل في الميزان من أحد ،

ثم ذهب كل إنسان فاجتنى فحلا يأكله ، وجاء عبد الله بن مسعود بجنائه قد جعله في حجره ، فوضعه بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال :


هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه

فأكل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
.

وروى الطبراني بسند جيد ، والشطر الأول في الصحيح عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : قرأت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبعين سورة ، وختمت القرآن على خير الناس علي بن أبي طالب . [ ص: 404 ]

وروى الطبراني عن يحيى بن بكير - رحمه الله تعالى- قال : توفي ابن مسعود بالمدينة ، ودفن بالبقيع ، وأوصى إلى الزبير بن العوام .

التالي السابق


الخدمات العلمية