الباب الخامس في
لزوم محبته وثوابها وبعض ما ورد عن السلف في ذلك- صلى الله عليه وسلم-
قال تعالى :
قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره [التوبة 24] .
روى الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650015«ثلاث [ ص: 430 ] من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما»
الحديث .
وروى الشيخان عنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650013«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650013«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده» .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
عبد الله بن هشام ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=656142عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله تعالى عنه- أنه قال للنبي- صلى الله عليه وسلم- : لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي هي بين جنبي ، فقال له : «لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه»
فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي فقال : «الآن يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر » .
وروى الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله تعالى عنه-
nindex.php?page=hadith&LINKID=5119أن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال له :
متى الساعة ؟ قال : «ما أعددت لها» ؟ قال : ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ، ولكني أحب الله ورسوله ، فقال : «أنت مع من أحببت» .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
صفوان بن عسال أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=15148«المرء مع من أحب»
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله تعالى عنه-
nindex.php?page=hadith&LINKID=666036أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد nindex.php?page=showalam&ids=35حسن nindex.php?page=showalam&ids=17وحسين - رضي الله تعالى عنهما- فقال : «من أحبني وأحب هذين وأمهما وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة» .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - رضي الله تعالى عنهم-
nindex.php?page=hadith&LINKID=939332أن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال : لأنت أحب إلي من أهلي ومالي ، وإني لأذكرك فما أصبر عنك حتى أنظر إليك ، وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإن دخلتها لا أراك ، فأنزل الله تعالى ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا [النساء 69] .
وروى
الأصبهاني في الترغيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664972«من أحبني كان معي في الجنة» .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662068«إن من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله» .
nindex.php?page=hadith&LINKID=650014وقال nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله تعالى- : من لم ير ولاية الرسول- عليه الصلاة والسلام- في جميع أحواله ، ويرى نفسه في ملكه- صلى الله عليه وسلم- لا يذوق حلاوة سنته ،
لأنه عليه الصلاة والسلام قال : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه»
الحديث .
[ ص: 431 ]
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر :
أن nindex.php?page=showalam&ids=16867أبا بكر - رضي الله تعالى عنه- قال :
للنبي- صلى الله عليه وسلم- : «والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب أقر لعيني من إسلامه- يعني أبا قحافة ، وذلك من أجل أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما-
أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال nindex.php?page=showalam&ids=18للعباس - رضي الله تعالى عنه- : أن تسلم أحب إلي من إسلام الخطاب ، لأن ذلك أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن
إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت : ما فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا : خيرا هو بحمد الله تعالى كما تحبين ، قالت : أرونيه ، فلما رأته قالت :
كل مصيبة بعدك جلل ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك في الزهد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله تعالى عنه- خرج ليلة يحرس الناس فرأى مصباحا في بيت ، وإذا عجوز تنفش صوفا ، وهي تقول :
على محمد صلاة الأبرار صلى عليه الطيبون الأخيار قد كنت قواما بكا بالأسحار
يا ليت شعري والمنايا أطوار
هل تجمعني وحبيبي الدار
تعني النبي- صلى الله عليه وسلم- فجلس nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله تعالى عنه- يبكي .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12769ابن السني في «عمل يوم والليلة» أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- خدرت رجله فقيل له : اذكر أحب الناس إليك يزل عنك فصاح : يا
محمداه ، فانتشرت .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة - رضي الله تعالى عنه-
nindex.php?page=hadith&LINKID=938883أن أهل مكة أخرجوا زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه ، فقال له أبو سفيان : أنشدك بالله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا بمقامك تضرب عنقه ، وأنت في أهلك ، فقال زيد - رضي الله تعالى عنه- : والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وأنا جالس في أهلي ، فقال أبو سفيان : والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665600كانت المرأة إذا أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- حلفها بالله ، ما خرجت من بغض زوج ، ولا رغبة بأرض عن أرض ، وما خرجت إلا حبا لله ورسوله .
وروى
ابن سعد أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وقف على
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير - رضي الله تعالى عنهم- بعد قتله وقال : كنت والله فيما علمت صواما قواما تحب الله ورسوله .
[ ص: 432 ]
تنبيهات
الأول : قال
القاضي : من
علامة حبه- صلى الله عليه وسلم- إيثار حبه ، وإلا كان مدعيا ، فالصادق في حبه عليه الصلاة والسلام من تظهر علامات ذلك عليه ، وأولها : الاقتداء به ، واتباع أقواله وأفعاله ، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا قوله تعالى :
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم [آل عمران 31] وإيثار ما شرعه وحض عليه على هوى نفسه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=911836عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «يا بني إن قدرت على أن تمسي وتصبح ليس في قلبك غش لأحد فافعل ثم قال لي : وذلك من سنتي ، ومن أحيا سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة» .
فمن اتصف بهذه الصفات فهو كامل المحبة لله ورسوله ، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة ، ولا يخرج عن اسمها .
ومن علامة محبته- صلى الله عليه وسلم- كثرة ذكره ، فمن أحب شيئا أكثر ذكره .
ومنها كثرة الشوق إلى لقائه- صلى الله عليه وسلم- فكل حبيب يحب لقاء حبيبه ، وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=651950قال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله تعالى عنه- : وحين رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- يتتبع الدباء من حوالي القصعة : فما زلت أحب الدباء من يومئذ .
وقد أتى nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وابن جعفر إلى سلمى ، خادمته ومولاة عمته صفية ، وسألوها أن تصنع لهما طعاما مما كان يعجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=655403وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله تعالى عنه- يلبس النعال السبتية ، ويصبغ بالصفرة إزاره ، يفعل نحو ذلك .
ومن علامة حبه بغض من أبغض الله ورسوله ومجانبة من خالف سنته وابتدع في دينه واستثقاله كل أمر يخالف شريعته قال تعالى :
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله [المجادلة 22] وهؤلاء الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- قد قتلوا أحباءهم ، وقاتلوا أبناءهم وآباءهم في مرضاته ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=930650عن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول قال : يا رسول الله لو شئت لأتيتك برأسه يعني : أباه .
الثاني :
حقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان إما باستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة ، والأطعمة والأشربة اللذيذة وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له ، أو استلذاذه بإدراك بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف المأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة ، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ ذلك ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان وهتك الحرم واحترام النفوس أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه ، فقد جبلت
[ ص: 433 ]
النفوس على حب من أحسن إليها .
قال
القاضي : فقد استبان لك أنه- صلى الله عليه وسلم- مستوجب للمحبة الحقيقية شرعا بما قدمناه من صحيح الآثار ، لإفاضته الإحسان علينا ، من رأفته بنا ورحمته لنا وهدايته إيانا وشفقته علينا ، وإنقاذنا من ورطة الجهالة ، وإنه بنا رؤوف رحيم ، ورحمة للعالمين وقد جمع الله تعالى فيه جميع أسباب المحبة المتقدمة ، فإن الله تعالى جمله بجمال الصور الظريفة وبكمال الأخلاق والباطن وبمكارم الإحسان ، وكرائم الإنعام .
قال
القاضي - رحمه الله تعالى- : فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفا . أو أنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع فمن منحه ما لا يبيد من النعيم ووقاه ما لا يفنى من عذاب الجحيم فهو أولى بالحب ، وإذا كان يحب بالطبع ملك لحسن سيرته ، أو حاكم لما يؤثر عنه من قوام طريقته ، أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه ، أو كرم شيمته ، فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب وأولى بالميل ،
وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=665941قال nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله تعالى عنه- في صفته- صلى الله عليه وسلم- : من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه .
الثالث في بيان غريب ما تقدم :
جلل : - بجيم فلام مفتوحتين فلام أخرى- أي هين حقير .
بكا : - بضم الموحدة- قصر لضرورة الوزن .
الأسحار : بهمزة مفتوحة ، فسين ساكنة ، فحاء مفتوحة مهملتين ، فألف فراء- خصتها بالبكاء لأنها أوقات خلوة وابتهال إلى الله تعالى ، قال
لقمان لابنه : «يا بني لا يكن الديك أكيس منك ينادي بالأسحار وأنت نائم» .
المنايا : - بميم فنون مفتوحتين فألف فتحتية فألف- جمع منية : وهي الموت من منى الله عليك بمعنى قدر ، لأنه مقدر بوقت مخصوص .
أطوار : - بهمزة مفتوحة ، فطاء مهملة ساكنة ، فواو فألف فراء- حالات شتى مختلفة .
الدثنة : - بدال مهملة مفتوحة ، فمثلثة مكسورة ، فنون مشددة مفتوحة- .
[ ص: 434 ]