تنبيهات
الأول : قال في «الروض» :
قوله -صلى الله عليه وسلم- في خطبته : «أحبوا الله من كل قلوبكم»
يريد أن يستغرق حب الله جميع أجزاء القلب ، فيكون ذكره وعمله خارجا من قلبه خالصا لله ، وتقدم الكلام على محبة الله تعالى لعبده ، ومحبة العبد لربه في اسمه -صلى الله عليه وسلم- «حبيب الله» .
وقوله : -صلى الله عليه وسلم- :
«لا تملوا كلام الله تعالى وذكره ، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي» .
قال
السهيلي : الهاء في قوله : «فإنه» لا يجوز أن تكون عائدة على كلام الله تعالى ،
[ ص: 44 ] ولكنها ضمير الأمر والحديث؛ فكأنه قال : إن الحديث من كل ما يخلق الله ويختار ، فالأعمال إذا كلها من خلق الله تعالى ، وقد اختار منها ما شاء ، قال الله تعالى : يخلق ما يشاء ويختار [القصص 68] .
قوله : «قد سماه خيرته من الأعمال» يعني الذكر وتلاوة القرآن .
وقوله : والمصطفى من عباده أي : وسمى المصطفى من عباده .
بقوله تعالى :
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس [الحج 75] ، ويجوز أن يكون معناه المصطفى من عباده ، أي : العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم ، فلا تكون «من» على هذا للتبعيض ، إنما تكون لابتداء الغاية؛ لأنه عمل استخرجه منهم بتوفيقه إياهم ، والتأويل الأول أقرب مأخذا ، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- .
وقوله : في أول الخطبة : «إن "الحمد" لله أحمده»
هكذا يرفع الدال من قوله الحمد لله ، وجدته مقيدا مصححا عليه ، وإعرابه ليس على الحكاية ولكنه على إضمار الأمر؛ كأنه قال : إن الأمر الذي أذكر وحذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم شيئا في اللفظ من الأسماء على قوله : الحمد لله وليس تقديم «إن» في اللفظ من باب تقديم الأسماء ، لأنها حرف مؤكد لما بعده مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به .
الثاني : اختلف في تسمية اليوم بذلك مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة- بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة- .
قلت : قال
ابن النحاس في كتاب «صناعة الكتاب» : لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا ، ومعناه اليوم البين المعظم ، من أعرب «إذا» بين [ . . . ] فقيل : سمي بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه ، ذكره أبو حذيفة النجاري ، في «المبتدأ» عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وهو ضعيف .
وقيل : لأن خلق
آدم جمع فيه .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
سليمان -رضي الله تعالى عنه- [قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=703448قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أتدري ما يوم الجمعة ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قالها ثلاث مرات ، ثم قال في الثلاثة : هو اليوم الذي جمع فيه أباكم آدم . قال : لكني أدري ما يوم الجمعة : لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام إلا كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة . [ ص: 45 ]
وله شاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم موقوفا بإسناد قوي في الفتح ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين والحديث في المصنف أيضا والإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد مرفوعا بإسناد ضعيف .
قال الحافظ : وهذا أصح الأقوال ، ويليه ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين بسند صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع
nindex.php?page=showalam&ids=103أسعد بن زرارة ، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة ، فصلى بهم وذكرهم ، فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه .
وقيل : سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه ، وبهذا جزم ابن حزم ، فقال : إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية ، [وإنما كان يسمى العروبة ، وفيه نظر ، فقد قال أهل اللغة : إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية] فالظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى : أول ، أهون ، جبار ، دبار ، مؤنس ، عروبة ، شبار .
وقال
الجوهري : كانت العرب تسمي يوم الاثنين أهون في أسمائهم القديمة ، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء ، وهي هذه المتعارفة [الآن كالسبت ، والأحد] إلى آخرها .
وقيل : إن أول من سمى العروبة الجمعة
كعب بن لؤي [وبه جزم الفراء وغيره] فيحتاج من قال : إنهم غيروها إلا الجمعة فأبقوه على تسمية العروبة إلى نقل خاص .
الثالث : تقدم أن صلاة الجمعة صلتها الصحابة
بالمدينة ، قبل مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم-
المدينة فقيل ذلك بإذن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=73382أذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة قبل أن يهاجر ، ولم يستطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجمع ولا يبدي لهم ، فكتب إلى مصعب بن عمير ، أما بعد : فانظر اليوم الذي تجتهد فيه اليهود بالزبور لسبتهم ، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم ، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة ، فتقربوا إلى الله تعالى بركعتين ، قال : فأول من جمع nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب حتى قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع عند الزوال من الظهر ، وأظهر ذلك ، وفي سنده
أحمد بن محمد بن غالب الباهلي ، وهو متهم بالوضع .
قال في «الزهر» : والمعروف في هذا المتن الإرسال ، رويناه في كتاب «الأوائل»
لأبي عروبة الحراني ، قال : حدثنا
هشام بن القاسم ، حدثنا
ابن وهب (أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج) عن
سليمان بن موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب به .
وقيل : باجتهاد الصحابة .
وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : جمع أهل المدينة قبل أن
[ ص: 46 ] يقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقبل أن تنزل الجمعة ، فقالت الأنصار : إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام ، وللنصارى أيضا مثل ذلك ، فهلم فلنجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي ونشكره ، فجعلوه يوم العروبة ، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك :
إذا نودي للصلاة [الجمعة 9] الآية .
وقال الحافظ : وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة وغير واحد من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك قال : كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم-
nindex.php?page=showalam&ids=103أسعد بن زرارة الحديث ، وتقدم ، فمرسل
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد ، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه بالوحي وهو ب :
«مكة» فلم يتمكن من إقامتها كما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، والمرسل بعده ، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق وغيره ، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق .
وقيل : في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه ، والإنسان إنما خلق للعبادة ، فناسب أن يشتغل بالعبادة [فيه ، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات ، وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها ، فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه] .
ولهذا تتمة تقدمت في الخصائص .
وفيها جعلت صلاة الحضر أربع ركعات ، وكانت ركعتين بعد مقدمه بشهر لاثنتي عشرة من ربيع الآخر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14307الدولابي : يوم الثلاثاء ، قال
السهيلي : بعد الهجرة بعام رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14307الدولابي .
وروي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- وأكثر الفقهاء أن الصلاة نزلت بتمامها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي أنه لا خلاف بين أهل الحجاز فيه .
وفيها بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسجده ، ومساكنه ، ومسجد قباء . وسيأتي في التاسعة .
لما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبني مسجده ، وكان مربد اليتيمين
سهل وسهيل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13898البلاذري ، ويحيى بن الحسن ، وغيرهما : إنهما
ابني رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وبه صرح
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر ، والسهيلي ورجحه السيد وغيره .
[ ص: 47 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : إنهما ابني عمر .
وقال في «العيون» : إنه أشهر .
قال
السهيلي فيما نقله عنه
الذهبي : ما يحصل به الجمع إلا أن فيه بعض مخالفة لما تقدم . قال :
«سهل بن عمرو الأنصاري النجاري أخو
سهيل ، صاحبا المربد» ، ينسبان إلى جدهما وهما ابنا
رافع بن عمرو بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن النجار . انتهى .
فعلى هذا يكون سقط من الرواية المتقدمة
ابن عمرو بن رافع وأبي عمرو تصحف وعمرو بعائذ ، كانا في حجر
nindex.php?page=showalam&ids=103أسعد بن زرارة كما في الصحيح عند أكثر الرواة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12002أبو ذر الهروي : سعد بإسقاط الألف ، والأول هو الوجه كما قال : إذا كان أسعد من السابقين إلى الإسلام ، وهو المكنى
بأبي أمامة ، وأما أخوه سعد فتأخر إسلامه -ولفظ-
يحيى بن الحسن : كانا في حجر
nindex.php?page=showalam&ids=103أبي أمامة أسعد بن زرارة .
وذكر
ابن زبالة ويحيى : إنهما كانا في
حجر أبي أيوب وأنه قال : يا رسول الله ، أنا أرضيهما .
وذكر
ابن عقبة : أن
nindex.php?page=showalam&ids=103أسعد بن زرارة عوضهما عنه نخلا له في بني بياضة .
قال : وقيل : ابتاعه منهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق [أن المربد كان لغلامين يتيمين ، وأنهما كانا في حجر
معاذ بن عفراء .
قال : [ . . . ] والسيد ، وقد يجمع باشتراك من ذكر كونهما كانا في حجورهم ، أو بانتقال ذلك بعد أسعد إلى من ذكر واحدا بعد واحد سيما وقد روى
ابن زبالة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12523ابن أبي فديك قال : سمعت بعض أهل العلم يقولون : إن
أسعد توفي قبل أن يبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد ، فباعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ولي
سهل وسهيل .
وفي «الصحيح» أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى ملأ من بني النجار بسبب موضع المسجد فقال : يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم هذا . فقالوا : لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله .
وفي رواية : فدعا بالغلامين فساومهما بالمربد ، يتخذه مسجدا فقالا : بلى ، نهبه لك يا رسول الله ، فأبى أن يقبله منهما بهبة حتى ابتاعه منهما ، ثم بناه مسجدا .
ووقع في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة : فكلم عمهما؛ أي : الذي كانا في حجره أن يبتاعه منهما ، فطلبه منهما معا ، فقالا : ما تصنع به ؟ فلم يجد بدا من أن يصدقهما ، فأخبرهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراده فقالا : نحن نعطيه إياه فأعطياه .
[ ص: 48 ]
وطريق الجمع بين ذلك كما أشار إليه الحافظ : أنهم لما قالوا : لا نطلب ثمنه إلا إلى الله سأل عمن يختص بملكه منهم ، فعينوا له الغلامين ، فابتاعه منهما أو من وليهما ، فهما غير بالغين ، وحينئذ فيحتمل أن يكون الذين قالوا : لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تحملوا عنه للغلامين اليتيمين ، فقد نقل عن ابن عقبة أن أسعد عوض الغلامين ثمنه نخلا له في بني بياضة .
وتقدم أن
nindex.php?page=showalam&ids=50أبا أيوب قال : «أنا أرضيهما فأرضاهما ، وكذلك
معاذ بن عفراء فيكون بعد الشراء ، ويحتمل أن كلا من
أسعد وأبي أيوب وابن عفراء أرضى اليتيمين بشيء فنسب ذلك لكل منهم .
وقد روى أن اليتيمين امتنعا عن قبول عوض ، فيحتمل ذلك على بدء الأمر ، لكن يشكل على هذا ما ذكره
ابن سعد أن
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي ، قال : إنه -صلى الله عليه وسلم- اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا ، دفعها أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- ، وقد يقال : إن الشراء وقع من ابني عفراء ، لأنهما كانا وليين لليتيمين ، ورغب
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر في الخير كما رغب فيه
أسعد وأبو أمامة ، ومعاذ بن عفراء ، فدفع لهم
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر العشرة ودفع لهم من كل أولئك ما تقدم ، ولم يقبله -صلى الله عليه وسلم- أولا لكونه لليتيمين .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13898البلاذري : أن
nindex.php?page=showalam&ids=103أسعد بن زرارة عرض على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذه ويدفع لليتيمين ثمنه فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وابتاعه منه بعشرة دنانير ، أداها من مال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر ، فيحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- أخذ أولا بعض المربد ، ثم أخذ بعضا وقد ورد ما يقتضي أن
nindex.php?page=showalam&ids=103أسعد بن زرارة كان قد بنى بهذا المربد مسجدا [آخر لما سيأتي من أنه زاد فيه مرة أخرى ، فليست القصة متحدة] .
فروى
يحيى بن الحسن عن
النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت أنها رأت
nindex.php?page=showalam&ids=103أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس الصلوات الخمس ، ويجمع لهم في مسجد بناه في مربد
سهل وسهيل ابني
رافع بن عمرو بن عائذ بن مالك بن النجار قالت : فكأني أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قدم
المدينة صلى بهم في ذلك المسجد ، وبناه فهو مسجده ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13898البلاذري نحوه . انتهى .
وروى الشيخان
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي أن المسجد كان جدادا مجددا ، ليس عليه سقف ، وقبلته القدس ، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنخل وبالفرقد الذي فيه أن يقطع ، وكان فيه قبور جاهلية ، فأمر بها فنبشت ، وأمر بالعظام أن تغيب ، وكان بالمربد ماء مستنجل ، فسيروه حتى ذهب وكان
[ ص: 49 ] فيه حزب فأمر بها فسويت ، فصفوا النخل قبلة -أي : جعلت سواري في جهة القبلة- ليسقف عليها ، وجعلوا عضادتيه حجارة .
وروى
ابن عائد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى فيه وهو عريش اثني عشر يوما ثم سقف .
وروى
ابن زبالة ويحيى عن
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب قال :
لما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبني مسجدا قال : ابنوا لي عريشا كعريش موسى ، ثمام وخشيبات وظلة كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك ، وقيل : وما ظلة موسى ؟ قال : كان إذا قام أصاب رأسه السقف .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
الحسن قال :
لما بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد أعانه عليه أصحابه ، وهو معهم يتناول اللبن ، حتى اغبر صدره ، فقال : ابنوه عريشا كعريش موسى ، فقيل للحسن : ما عريش موسى ؟ قال : كان إذا رفع يده بلغ العريش ، يعني السقف .
وقد روى في الصحيح أنه طفق ينقل معهم اللبن ترغيبا لهم ، ويقول وهو ينقل اللبن :
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول :
لا هم ، إن الأجر أجر الآخره فارحم الأنصار والمهاجره
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب : فتمثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشعر رجل من المسلمين وجعل الصحابة ينقلون الصخر وهم يرتجزون ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول معهم :
لاهم ، لا خير إلا خير الآخره فانصر الأنصار والمهاجره
ويذكر أن هذا البيت
لعبد الله بن رواحة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري -رحمه الله تعالى-
nindex.php?page=hadith&LINKID=653639أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول :
لاهم ، لا خير إلا خير الآخره فارحم المهاجرين والأنصار
وكان لا يقيم الشعر وعمل المسلمون في ذلك ودأبوا فيه فقال قائل منهم :
لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل
وكان عثمان رجلا متنظفا ، وكان يحمل اللبنة ، فيجافي بها عن ثوبه ، فإذا وضعها نفض كمه ونظر .
[وروى
ابن زبالة وغيره
عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- قالت : بنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسجده] . [ ص: 50 ]
ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي عن
محمد بن عمر الأسلمي قال : كانت
لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد وحوله ، وكلما أحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أخلا ونزل له حارثة عن منزل- أي : محل حجرة- حتى صارت منازله كلها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه .
وروى
ابن سعد ويحيى بن الحسن من طريق
محمد بن عمر : حدثنا
عبد الله بن زيد الهذلي قال : رأيت بيوت أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين هدمها
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز بأمر
الوليد بن عبد الملك ، كانت بيوتا باللبن ولها حجر من جريد مطرورة بالطين ، عددت تسعة أبيات بحجرها ، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منزل
أسماء بنت حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، ورأيت بيت
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وحجرتها من لبن ، فسألت ابن ابنها فقال : لما غزا رسول الله غزوة دومة الجندل بنت
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة حجرتها بلبن ، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى اللبن ، فدخل عليها أول نسائه ، فقال : ما هذا البناء ؟ فقالت : أردت يا رسول الله ، -صلى الله عليه وسلم- أن أكف أبصار الناس فقال : يا
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان .
قال
محمد بن عمر : فحدثت هذا الحديث
معاذ بن محمد الأنصاري فقال : سمعت
عطاء الخرساني في مجلس فيه
عمر بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر الشريف والمنبر :
أدركت حجر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من جريد النخل على أبوابها المسوح ، شعر أسود فحضرت كتاب
الوليد بن عبد الملك يقرأ ، يأمر بإدخال حجر أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم فقال عطاء : فسمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يقول يومئذ : والله لوددت أنهم تركوها على حالها ينشأ ناشئ من أهل
المدينة ، ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ : فلما فرغ
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني من حديثه قال
عمر بن أبي أنس : كان منها أربعة أبيات بلبن ، لها حجر من جريد ، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها ، على أبوابها مسوح الشعر ذرعت الستر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع ، والعظم أو أدنى من العظم ، فأما ما ذكرت من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع .
[ ص: 51 ]
وقال يومئذ
أبو أمامة : ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويروا ما رضي الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ومفاتيح خزائن الدنيا بيده .
وروى
ابن سعد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في «الأدب»
nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في «الشعب» عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري قال : كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان فأتناول سقفها بيدي .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في «الأدب»
nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن
داود بن قيس قال : رأيت الحجر من جريد النخل مغشى من الخارج بمسوح الشعر ، وأظن عرض البيت الداخل عشرة أذرع ، وأظن مسكنه بين الثماني والسبعة .
وروى
محمد بن الحسن المخزومي عن
محمد بن هلال قال : أدركت بيوت أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت من جريد ، مستورة بمسوح الشعر مستطيرة في القبلة ، وفي المشرق وفي الشام ليس في غربي المسجد شيء منها ، وكان باب
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة يواجه
الشام ، وكان مصراع واحد من عرعر أو ساج .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13564ابن منده عن
بشر بن صحار العبدي قال : كنت أدخل بيوت أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنال سقفها .
وروى
ابن سعد عن
عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي مرثد قال : لم يكن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حائط ، وكان أول من بنى عليه جدارا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- .
قال
عبيد الله : كان جداره قصيرا ثم بناه
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير .
وفي «تاريخ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري» أن بابه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرع بالأظافر .
قال
السهيلي : فدل على أنه لم يكن لأبوابه خلق .