اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد واصبر كما صبر الكرام فإنها
نوب تنوب اليوم تكشف في غد وإذا أتتك مصيبة تسجى بها
فاذكر مصابك بالنبي محمد
تذكرت لما فرق الدهر بيننا فعزيت نفسي بالنبي محمد
وقلت لها إن المنايا سبيلنا فمن لم يمت في يومه مات في غد
فلو ذاق من طعم الفراق رضوى لكان من وجده يميد
فقد حملوني عذاب شوق يعجز عن حمله الحديد
وقد كان يدعى لابس الصبر حازما فأصبح يدعى حازما حين يجزع
وهل عدلت يوما رزيئة هالك رزيئة يوم مات فيه محمد
فيا لها والله مصيبة أحرقت الأكباد وغمرت بالأسف والحزن الأبناء والآباء
وزرا ثقيلا إلى كاهل الإيمان منه ما أباد وخطبا جليلا أودى بكل جميل أو كاد
فالصبر يحمد في المصائب كلها إلا عليك فإنه مذموم
فيا له من خطب جل على الخطوب ومصاب دمع العين كيف يصوب ؟
ورزء عزيت له النيران ولا تعلل شروقها والغروب
وجادت هجمة الموت فلا نجا منها هارب ولا فرار منه لمطلوب
من نار حنت عليه الأضالع ولا تخبو ولا تخمد
ومصيبة تستك منها المسامع فلا يبكي على مر الجديد من حزنها المجدد
وهل عدلت يوما رزيئة هالك رزيئة يوم مات فيه محمد
وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد
أجدك ما لعينك لا تنام كأن جفونها فيها كلام
بوقع مصيبة عظمت وجلت فدمع العين أهونه انسجام
فجعنا بالنبي ، وكان فينا مقدمنا ، وسيدنا الإمام
وكان قوامنا ، والرأس فينا فنحن اليوم ليس لنا قوام
ننوح ونشتكي ما قد لقينا ويشكو فقده البلد الحرام
كأن أنوفنا لاقين جدعا لفقد محمد ، فيها اصطلام
[ ص: 277 ] لفقد أغر أبيض هاشمي إمام نبوة ، ربه الختام
أمين ، مصطفى ، للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام
سأتبع هديه ما دمت حيا طوال الدهر ما سجع الحمام
كأن الأرض بعدك طار فيها فأشعلها لساكنها ضرام
وفقد الوحي إذ وليت عنا وودعنا من الله الكلام
سوى أن قد تركت لنا سراجا تواريه القراطيس الكرام
لقد ورثتنا مرآة صدق عليك به التحية والسلام
من الرحمن في أعلى جنان من الفردوس طاب بها المقام
رفيق أبيك إبراهيم فيه وما في مثل صحبته ندام
وإسحاق وإسماعيل فيه بما صلوا لربهم وصاموا
يا عين فابكي ولا تسأمي ، وحق البكاء على السيد !
على خير خندف عند البلا ء أمسى يغيب في الملحد
فصلى المليك ولي العباد ورب البلاد على أحمد
فكيف الحياة لفقد الحبيب وزين المعاشر في المشهد ؟
فليت الممات لنا كلنا وكنا جميعا مع المهتدي !
لما رأيت نبينا متجدلا ضاقت علي بعرضهن الدور
وارتعت روعة مستهام واله ، والعظم مني واهن مكسور
أعتيق ويحك ! إن حبك قد ثوى وبقيت منفردا وأنت حسير
يا ليتني من قبل مهلك صاحبي غيبت في جدث علي صخور !
فلتحدثن بدائع من بعده ، تعيا بهن جوانح وصدور
باتت تأوبني هموم . . . . . حشد مثل الصخور فأمست هدت الجسدا
يا ليتني حيث نبئت الغداة به قالوا الرسول قد أمسى ميتا فقدا
[ ص: 278 ] ليت القيامة قامت بعد مهلكه ، ولا نرى بعده مالا ولا ولدا !
والله أثني على شيء فجعت به من البرية حتى أدخل اللحدا
كم لي بعدك من هم ينصبني إذا تذكرت أني لا أراك أبدا !
كان المصفاء في الأخلاق قد علموا ، وفي العفاف فلم نعدل به أحدا
نفسي فداؤك من ميت ومن بدن ! ما أطيب الذكر والأخلاق والجسدا !
تطاول ليلي واعترتني القوارع وخطب جليل للبلية جامع !
عذاة نعى الناعي إلينا محمدا ، وتلك التي تستك منها المسامع
فلو رد ميتا قتل نفسي قتلتها ! ولكنه لا يدفع الموت دافع
فآليت لا أثني على هلك هالك من الناس ، ما أوفى ثبير وفارع
ولكنني باك عليه ومتبع مصيبته . إني إلى الله راجع !
وقد قبض الله النبيين قبله ، وعاد أصبيت بالرزى والتبابع
فيا ليت شعري ! من يقوم بأمرنا ؟ وهل في قريش من إمام ينازع ؟
ثلاثة رهط من قريش هم هم أزمة هذا الأمر ، والله صانع
علي أو الصديق أو عمر لها ، وليس لها بعد الثلاثة رابع !
فإن قال منا قائل غير هذه أبينا ، وقلن : الله راء وسامع
فيا لقريش ! قلدوا الأمر بعضهم ، فإن صحيح القول للناس نافع
ولا تبطئوا عنها فواقا فإنها إذا قطعت لم يمن فيها المطامع
يا عين جودي بدمع منك إسبال ! ولا تملن من سح وإعوال !
لا ينفدن لي بعد اليوم دمعكما ، إني مصاب وإني لست بالسالي
فإن منعكما من بعد بذلكما إياي مثل الذي قد غر بالآل !
لكن أفيضي على صدري بأربعة ، إن الجوانح فيها هاجس صالي
سح الشعيب وماء الغرب يمنحه ساق يحمله ساق بإزلال
حامي الحقيقة نسال الوديقة فك اك العناة ، كريم ماجد عال
[ ص: 279 ] على رسول لنا محض ضريبته ، سمح الخليقة ، عف غير مجهال !
كشاف مكرمة ، مطعام مسغبة ، وهاب عانية وجناء شملال !
عف مكاسبه ، جزل مواهبه ، خير البرية سمح غير نكال !
واري الزناد وقواد الجياد إلى يوم الطراد ، إذا شبت بأجذال
ولا أزكي على الرحمن ذا بشر لكن علمك عند الواحد العالي !
إني أرى الدهر والأيام يفجعني بالصالحين ، وأبقى ناعم البال !
يا عين فابكي رسول الله إذ ذكرت ذات الإله ، فنعم القائد الوالي !
يا عين فابكي بدمع ذرى لخير البرية والمصطفى !
وبكي الرسول ! وحق البكاء عليه ، لدى الحرب عند اللقا !
على خير من حملت ناقة ، وأتقى البرية عند التقى
على سيد ماجد جحفل ، وخير الأنام وخير اللها !
له حسب فوق كل الأنا م من هاشم ذلك المرتجى
نخص بما كان من فضله ، وكان سراجا لنا في الدجى !
وكان بشيرا لنا منذرا ، ونورا لنا ضوءه قد أضا
فأنقذنا الله في نوره ، ونجى برحمته من لظى !
عيني ، جودا طوال الدهر وانهمرا سكبا وسحا بدمع غير تعذير !
يا عين ، فاسحنفري بالدمع واحتفلي حتى الممات بسجل غير منزور
يا عين فانهملي بالدمع واجتهدي للمصطفى ، دون خلق الله ، بالنور
بمستهل من الشؤبوب ذي سيل ، فقد رزئت نبي العدل والخير !
وكنت من حذر للموت مشفقة ، والذي خط من تلك المقادير !
من فقد أزهر ضافي الخلق ذي فخر صاف من العيب والعاهات والزور !
فاذهب حميدا ! جزاك الله مغفرة ، يوم القيامة ، عند النفخ في الصور
بطيبة رسم للرسول ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
[ ص: 280 ] ولا تمتحي الآيات من دار حرمة بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آثار وباقي معالم وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده وقبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت عيون ومثلاها من الجفن تسعد
يذكرن آلاء الرسول وما أرى لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب أيد وأعين عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نييم وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدى به وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة الله بينهم دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجورا عن الهدى حريص على أن يستقيموا ويهدوا
عطوف عليهم لا يثني جناحه إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
[ ص: 281 ] فبينا هم في ذلك النور إذ غدا إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا يبكيه حق المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها فقيد يبكيه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده خلاء له فيه مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت ديار وعرصات وربع ومولد
فبكي رسول الله يا عين عبرة ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
وما لك لا تبكين ذا النعمة التي على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة وأقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد إذا ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلقى لقولي عائب من الناس إلا عازب العقل مبعد
وليس هواي نازعا عن ثنائه لعلي به في جنة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجوا بذاك جواره وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
ما بال عينك لا تنام كأنما كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته في يوم الاثنين النبي المهتدي .
[ ص: 282 ] فظللت بعد وفاته متبلدا متلددا يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك ب المدينة بينهم يا ليتني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلا في روحة من يومنا أو من غد
فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا محضا ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها من يهد للنور المبارك يهتدي
يا رب فاجمعنا معا ونبينا في جنة تثني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
والله أسمع ما بقيت بهالك إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصار النبي ورهطه بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا سودا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره وفضول نعمته بنا لا تجحد
والله أهداه لنا وهدى به أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك أحمد
نب المساكين أن الخير فارقهم مع النبي تولى عنهم سحرا
من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا
أم من نعاتب لا نخشى جنادعه إذا اللسان عتا في القول أو عثرا
كان الضياء وكان النور نتبعه بعد الإله وكان السمع والبصرا
فليتنا يوم واروه بملحدة وغيبوه وألقوا فوقه المدرا
لم يترك الله منا بعده أحدا ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا
ذلت رقاب بني النجار كلهم وكان أمرا من أمر الله قد قدرا
واقتسم الفيء دون الناس كلهم وبددوه جهارا بينهم هدرا
آليت ما في جميع الناس مجتهدا مني ألية بر غير إفناد .
[ ص: 283 ] تالله ، ما حملت أنثى ولا وضعت مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا برا الله خلقا من بريته أوفى بذمة جار أو بميعاد
من الذي كان فينا يستضاء به مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما يضربن فوق قفا ستر بأوتاد
مثل الرواهب يلبسن المباذل قد أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي
يا أفضل الناس إني كنت في نهر أصبحت منه كمثل المفرد الصادي
إن الرزية لا رزية مثلها ميت بطيبة مثله لم يفقد
ولقد أصيب جميع أمته به من كان مولودا ، ومن لم يولد
والناس كلهم بما قد عالهم يرجو شفاعته بذاك المشهد
حتى الخليل أبوه في أشياعه ونجيه موسى النبي المهتدي
متواضعين لربهم برقابهم تلك الفضيلة ، واجتماع السؤدد
يا خير من شد المطية نحوه وفد لحاجته يروح ويغتدي
أنت الذي استنقذتنا من حفرة من يهو فيها من هواه يبعد
فهديتنا بعد الضلالة والردى بهدى الإله إلى السبيل الأرشد
فجزاك عنا الله خير جزائه بمقام محمود المقام مسدد
يا عين ، جودي- ما بقيت- بعبرة سحا على خير البرية أحمد
يا عين ، فاحتفلي وسحي واسجمي وابكي على نور البلاد محمد !
أنى ، لك الويلات ! مثل محمد في كل نائبة تنوب ومشهد ؟
فابكي المبارك والموفق ذا التقى ، حامي الحقيقة ذا الرشاد المرشد
من ذا يفك عن المغلل غله بعد المغيب في الضريح الملحد ؟
أم من لكل مدفع ذي حاجة ، ومسلسل يشكو الحديد مقيد ؟
أم من لوحي الله يترك بيننا في كل ممسى ليلة أو في غد ؟
فعليك رحمة ربنا وسلامه ، يا ذا الفواضل والندى والسودد .
[ ص: 284 ] هلا فداك الموت كل ملعن شكس خلائقه لئيم المحتد ؟
أعيني ، جودا بالدموع السواجم على المصطفى بالنور من آل هاشم
على المصطفى بالحق والنور والهدى وبالرشد بعد المندبات العظائم
وسحا عليه وابكيا ، ما بكيتما ، على المرتضى للمحكمات العزائم
على المرتضى للبر والعدل والتقى ، وللدين والإسلام بعد المظالم
على الطاهر الميمون ذي الحلم والندى وذي الفضل والداعي لخير التراحم
أعيني ، ماذا ، بعد ما قد فجعتما به ، تبكيان الدهر من ولد آدم ؟
فجودا بسجل واندبا كل شارق ربيع اليتامى في السنين البوازم !
ألا يا عين ! ويحك أسعديني بدمعك ، ما بقيت ، وطاوعيني
ألا يا عين ويحك ! واستهلي على نور البلاد وأسعديني !
فإن عذلتك عاذلة فقولي علام وفيم ، ويحك ! تعذليني ؟
على نور البلاد معا جميعا رسول الله أحمد فاتركيني
فإلا تقصري بالعذل عني ، فلومي ما بدا لك أو دعيني !
لأمر هدني وأذل ركني ، وشيب بعد جدتها قروني !
ألا يا رسول الله ، كنت رجاءنا ، وكنت بنا برا ولم تك جافيا !
وكنت بنا روفا رحيما نبينا ، ليبك عليك اليوم من كان باكيا !
لعمرك ، ما أبكي النبي لموته ! ولكن لهرج كان بعدك آتيا
كأن على قلبي لذكر محمد ، وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم ، صلى الله ، رب محمد ، على جدث أمسى بيثرب ثاويا !
أبا حسن ، فارقته وتركته ، فبك بحزن آخر الدهر شاجيا !
فدا لرسول الله أمي وخالتي وعمي ونفسي قصرة ثم خاليا
صبرت وبلغت الرسالة صادقا ، وقمت صليب الدين أبلج صافيا .
[ ص: 285 ] فلو أن رب الناس أبقاك بيننا سعدنا ، ولكن أمرنا كان ماضيا !
عليك من الله السلام تحية ، وأدخلت جنات من العدن راضيا !
وباكية حراء تحزن بالبكا وتلطم منها خدها والمقلدا
على هالك بعد النبي محمد ولو علمت لم تبك إلا محمدا
فجعنا بخير الناس حيا وميتا وأدناه من رب البرية مقعدا
وأفظعهم فقدا على كل مسلم وأعظمهم في الناس كلهم يدا
لقد ورثت أخلاقه المجد والثقى فلم تلقه إلا رشيدا ومرشدا
لهف نفسي ! وبت كالمسلوب آرق الليل فعلة المحروب !
من هموم وحسرة ردفتني ، ليت أني سقيتها بشعوب !
حين قالوا : إن الرسول قد أمسى وافقته منية المكتوب !
إذ رأينا أن النبي صريع ، فأشاب القذال أي مشيب
إذ رأينا بيوته موحشات ، ليس فيهن بعد عيش حبيبي
أورث القلب ذاك حزنا طويلا ، خالط القلب ، فهو كالمرعوب
ليت شعري ! وكيف أمسي صحيحا بعد أن بين بالرسول القريب ؟
أعظم الناس في البرية حقا ، سيد الناس حبه في القلوب
فإلى الله ذاك أشكو وحسبي ، يعلم الله حوبتي ونحيبي !
أفاطم ، بكي ولا تسأمي بصبحك ، ما طلع الكوكب !
هو المرء يبكى ، وحق البكاء ! هو الماجد السيد الطيب !
فأوحشت الأرض من فقده ، وأي البرية لا ينكب ؟
فما لي بعدك حتى المما ت إلا الجوى الداخل المنصب
فبكي الرسول ! وحقت له شهود المدينة والغيب !
لتبكيك شمطاء مضرورة ، إذا حجب الناس لا تحجب .
[ ص: 286 ] ليبكيك شيخ أبو ولدة يطوف بعقوته أشهب
ويبكيك ركب إذا أرملوا ، فلم يلف ما طلب الطلب
وتبكي الأباطح من فقده ، وتبكيه مكة والأخشب
وتبكي وعيرة من فقده بحزن ويسعدها الميثب !
فعيني ما لك لا تدمعين ؟ وحق لدمعك يستكب !
ما لعيني لا تجودان ريا إذ فقدنا خير البرية حيا
يوم نادى إلى الصلاة بلال فبكينا عند النداء مليا
لم أجد قبلها ، ولست بلاق بعدها غصة أمر عليا
جل يوم أصبحت فيه عليلا لا يرد الجواب منك إليا
ليت يومي يكون قبلك يوما أنضج القلب للحرارة كيا
خلقا عاليا ، ودينا كريما وصراطا يهدى إليه سويا
وسراجا يجلو الظلام منيرا ونبيا مسددا عربيا
حازما ، عازما ، حليما ، كريما عائدا بالنوال ، برا تقيا
إن يوما أتى عليك ليوم كورت شمسه وكانت جليا
فعليك السلام منا ومن ربك بالروح بكرة وعشيا
[أشاب ذؤابتي وأذل ركني بكاؤك ، فاطم ، الميت الفقيدا
فأعطيت العطاء فلم تكدر ، وأخدمت الولائد والعبيدا
وكنت ملاذنا في كل لزب ، إذا هبت شامية برودا]
وإنك خير من ركب المطايا ، وأكرمهم إذا نسبوا جدودا !
[رسول الله فارقنا ، وكنا نرجي أن يكون لنا خلودا]
أفاطم ! فاصبري فلقد أصابت رزيئتك التهائم والنجودا
وأهل البر والأبحار طرا ، فلم تخطئ مصيبته وحيدا
وكان الخير يصبح في ذراه ، سعيد الجد قد ولد السعودا !
فموتي إن قدرتي أن تموتي فقدت الطيب الرجل الحميدا .
[ ص: 287 ] رسول الله خير الناس حقا فلست أرى له أبدا مديدا
ما زالت مذ وضع الفراش لجنبه وثوى مريضا خائفا أتوقع
شفقا عليه أن يزول مكانه عنا ، فنبقى بعده نتوجع
نفسي فداؤك من لنا في أمرنا أو من نشاوره إذا فترجع
وإذا تحدثنا الحوادث : من لنا بالوحي من رب رحيم يسمع
ليت السماء تفطرت أكنافها وتناثرت فيها النجوم الطلع
لما رأيت الناس هد جميعهم صوت ينادي بالنعي فيسمع
وسمعت صوتا قبل ذلك هدني عباس ينعاه بصوت يقطع
فليبكه أهل المدائن كلها والمسلمون بكل أرض تجدع
ألا طرق الناعي بليل فراعني وأرقني لما استهل مناديا
فقلت له لما رأيت الذي أتى أغير رسول الله أصبحت ناعيا
فحقق ما أشفيت منه ولم يبل وكان خليلي عدتي وجماليا
فوالله ، لا أنساك أحمد ما مشت بي العيس في أرض وجاوزت واديا
وكنت متى أهبط من الأرض تلعة أجد أثرا منه جديدا وعافيا
جواد تشظى الخيل عنه كأنما يرين به ليثا عليهن ضاريا
من الأسد قد أحمي العرين مهابة تفادى سباع الأرض منه تفاديا
شديد جري النفس نهد مصدر هو الموت مغدو عليه وغاديا