ومنها : أن
يغتسل من بئر الحرة لدخول المدينة الشريفة ويلبس أنظف ثيابه ويتطيب ، وهو مستحب كما ذكره
النووي وغيره .
وقال
الكرماني الحنفي : فإن لم يغتسل خارج المدينة؛ فليغتسل بعد دخولها في حديث
المنذر بن ساوى التميمي أنه وفد من
البحرين مع أناس ، فذهبوا بسلاحهم ، فسلموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابا كانت معه ، ومسح لحيته بدهن ، فأتى نبي الله- صلى الله عليه وسلم- الحديث ، ولتجتنب بعض ما يفعله المحرم من التحرر عن المخيط تشبها مجال الإحرام .
ومنها
إذا شاهد القبة المنيفة وشارف دخول المدينة الشريفة ، فليلزم الخشوع والخضوع مستحضرا عظمتها ، وأنها البقعة التي اختارها الله تعالى لنبيه وحبيبه ووصيفه- صلى الله عليه وسلم- وتمثل في نفسه مواضع أقدام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند نزوله فيها ، وأنه ما من موضع يطؤه إلا موضع قدمه العزيز ، فلا يضع قدمه عليه إلا مع الهيبة والسكينة متصورا خشوعه- صلى الله عليه وسلم- في المشي وتعظيم الله تعالى له ، حتى قرن ذكره بذكره ، وأحبط عمل من انتهك شيئا من حرمته ، ولو يرفع صوته فوق صوته ، ويتأسف على فوت رؤيته في الدنيا ، وأنه من رؤيته في الآخرة على خطر لسوء صنعه وقبح فعله ، ثم يستغفر لذنبه ، ويلتزم سلوك سبيله ، ليفوز بالإقبال عند اللقاء ، ويحظى بتحية القبول من ذي البقاء .
ومنها :
أن لا يخل بشيء مما أمكنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب عند انتهاك حرمة من حرمه أو تضييع شيء من حقوقه- صلى الله عليه وسلم- فإن من علامات المحب غيرة المحب لمحبوبه ، وأقوى الناس ديانة أعظمهم غيرة ، وإذا خلا القلب من الغيرة فهو من المحبة خلا ، وإن زعم المحبة فهو كاذب .
ومنها : أن
يقول عند دخوله من باب البلد : بسم الله ، ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ، حسبي الله ، آمنت بالله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي هذا إليك ، فإني لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا رياء ولا سمعة ، وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، فأسألك أن تعيذني من النار ، وأن تغفر لي ذنوبي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، وليحرص على ذلك كلما قصد المسجد ، ففي حديث
أبي سعيد [ ص: 388 ] الخدري- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا :
من قال ذلك في مسيره إلى المسجد ، وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ، ويقبل الله عليه بوجهه ، ثم ليقوي في قلبه شرف
المدينة ، وأنها حوت أفضل بقاع الأرض بالإجماع ، وإن بعض العلماء قال : إن
المدينة أفضل أمكنة الدنيا ، وفيها أرض مشى
جبريل في عرصاتها ، الله شرفها به وحماها .
ومنها : أن
يقدم صدقة بين يدي نجواه ويبدأ بالمسجد الشريف قبل التعريج على أمر من الأمور أي شيء هو إلى مباشرته في ذلك الوقت غير مضطر ولا مضرور ، فإذا شاهد المسجد النبوي والمسجد المحمدي؛ فليستحضر أنه أتى مهبط أبي الفتوح
جبريل ، ومنزل أبي الغنائم
ميكائيل ، والموضع الذي خصه الله تعالى بالوحي والتنزيل؛ فليزدد خشوعا وخضوعا بهذا المقام ويقتضيه هذا المسجد الذي ترتعد دونه الأقدام ويجتهد في أن يوفق للوفاء بحقه من التعظيم والقيام .
ومنها ما قاله القاضي
فضل الله بن نصر التوزي : من أن الدخول من باب
جبريل أفضل ، وجرت عادة القادمين من ناحية باب السلام بالدخول منه ، فإذا أراد الدخول فليفرغ قلبه وليستصف ضميره ،
ويقدم رجله اليمنى ، ويقول : أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبنوره القديم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ، رب وفقني وسددني وأصلحني ، وأعني على ما يرضيك عني . ويقف عند النبي بحسن الأدب ثم يقول في هذه الحضرة الشريفة : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ولا يترك ذلك كلما دخل المسجد أو خرج منه إلا أنه يقول عند خروجه : افتح لي أبواب فضلك ، بدل قوله : وافتح لي أبواب رحمتك .