تنبيهات
الأول :
الحكمة في أمره- عليه الصلاة والسلام- بالإكثار من الصلاة عليه في يوم الجمعة؛ لأنه أفضل أيام الأسبوع ، ووصفه بالأزهر ، ووصف ليلته بالزهراء لكثرة الملائكة فيها ، وهم نور ، أو لخصوصيتها بنجل خاص ، وفيه شرع الغسل والصلاة الخاصة ، وخصه تعالى من دون سائر الأيام بقوله عز وجل :
يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله [الجمعة : 9] ولما كان- صلى الله عليه وسلم- سيد الأنام ، ويوم الجمعة سيد الأيام ، كانت للصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره ، مع لطيفة أخرى ، وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة ، إنما نالته على- يديه- صلى الله عليه وسلم- فجمع الله لأمته خيري الدنيا والآخرة ، وأعظم
[ ص: 450 ] كرامة تحصل لهم إنما تحصل لهم يوم الجمعة ، وهو بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة ، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة ، وهو عيد لهم في الدنيا ، وهذا كله عرفوه وحصل لهم بسببه- صلى الله عليه وسلم- وعلى يده ، فمن حمده وشكره وأداء القليل من حقه- صلوات الله وسلامه عليه- أن يكثر عليه من الصلاة في هذا اليوم وليلته» .
الثاني : إن قيل : ما الحكمة في قوله : «
nindex.php?page=hadith&LINKID=677588إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء »
والبلاغ بعد الموت لا تعلق له بالأجساد والأرواح ؟
قيل : لما كان البيان لكلام ما اختص به بعد الموت من البلاغ أردفه بيان خصوصية أخرى له ولغيره من الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- ، وهي أن الأرض لا تأكل أجسادهم .
الثالث : قوله «رب هذه الدعوة» أي : صاحبها الذي يشرعها .
وقوله : «التامة» قال
التوربشتي : إنما وصفها بالتمام؛ لأنها ذكر الله تعالى ، يدعى بها إلى عبادة ، وهذه الأشياء وما والاها هي التي تستحق صفة الكمال والتمام ، وما سوى ذلك من أمور الدنيا بمعرض النقص والفساد ، ويحتمل أنها وصفت بالتمام ، لكونها محمية عن النسخ والإبدال ، باقية إلى يوم التناد .
وقال بعضهم : معنى أنها تامة : أنها جامعة لعقيدة الإيمان مشتملة على ترغيبه في العقليات والسمعيات ، لما فيه من إثبات التنزيه ، والتوحيد ، ونفي الشرك ، وإثبات النبوة والرسالة ، والدعاء إلى العبادات والصلاح .
وفيها إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء .
وقوله : «الصلاة القائمة» أي الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة .
وقوله : «الوسيلة» أي : بالقرب ، وسبب الوصول إلى أبلغية ، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو ، وتطلق على المنزلة العلية كما قال- عليه الصلاة والسلام- : «فإنها منزلة من الجنة» .
وقوله : «لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله» .
أي : مختص بها دون غيره ، وذكرها بلفظ الرجاء ، وإن كان ذلك له قطعا أدبا وإرشادا ، أو تعظيما لأمته وتذكيرا بالخوف ، وتفويضا إلى الله تعالى بحسب مشيئته ، ليكون الطالب للشيء بين الرجاء والخوف .
وفي رواية : سؤله ، وهي بسين مهملة مضمومة فهمزة ساكنة- أي حاجته؛ وهو ما يسأله الشخص ، والمراد الشفاعة العظمى ، والدرجة العالية ، والمقام المحمود ، والحوض المورود ، ولواء الحمد ، ودخول الجنة قبل الخلائق إلى غير ذلك ، بما أعد الله له من الكرامة في ذلك اليوم .
«والفضيلة» معناها ظاهر .
وقوله : «والمقام المحمود الذي وعدته»
أي بقوله تعالى :
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . [الإسراء : 79]
[ ص: 451 ]
و «عسى» «ولعل» من الله تعالى للتحقيق والوقوع ، وقد اختلفت في تفسير المقام المحمود .
فقيل : هو شهادته لأمته .
وقيل : لواء الحمد يوم القيامة .
وقيل : هو أن يجلسه الله على الكرسي .
وقيل : الشفاعة ، إذ هو مقام يحمده فيه الأولون والآخرون ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في أبواب بعثه وحشره إن شاء الله تعالى .
وقوله : «حلت» أي : وجبت ، كما في بعض الروايات ، أو نزلت وليست من الحل؛ لأن الشفاعة لم تكن محرمة قبل ذلك ، واللام في «له» بمعنى «على» كما في الرواية الأخرى .
وقوله «أو في قوله» كنت له شهيدا أو شفيعا ليست للشك لتظافر جماعة من الصحابة على روايتها كذلك ، ويبعد اتفاقهم على الشك ، وهي إما للتقسيم فيكون شهيدا لبعض وشفيعا للمنافقين ، أو شفيعا للعاصين وشهيدا للطائعين ، أو شهيدا لمن مات في حياته شفيعا لمن مات بعده أو غير ذلك ، وإما أن تكون بمعنى «الواو» فيكون شهيدا وشفيعا .
الرابع : إن قيل : ما السر في تخصيص ذكر الرحمة عند دخول المسجد والفضل عند الخروج ؟
قيل : لأن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى الله تعالى وإلى ثوابه وجنته ، فناسب أن يذكر الرحمة ، وإذا خرج انتشر في الأرض ابتغاء فضل الله من الرزق الحلال ، فناسب الفضل ، كما قال تعالى :
فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله [الجمعة : 10] .
قال في شرح المشكاة : وفي هذا
الدعاء عند دخول المسجد استلواح أنه من دواعي فتح أبواب الرحمة من الله تعالى لداخل المسجد .
قوله : «أرمت» - بفتح الهمزة والراء وسكون الميم مخففا- بوزن ضربت أصله أرممت؛ أي : صرت رميما ، فحذفوا إحدى الميمين ، وهي لغة لبعض العرب كما قالوا : ظلت أفعل أي ظللت ، والرميم والرمة العظام البالية ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي .
وقال
المنذري : وروى أرمت بضم الهمزة وكسر الراء .
وقال غيره : إنما هو أرمت بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء ، أي : أرمت العظام .
[ ص: 452 ]