سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السادس في شفاعته العظمى لفصل القضاء والإراحة من طول الوقوف

وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم حتى الأنبياء- صلى الله عليهم وسلم- .

روى مسلم عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه- في حديث قال فيه : « أخرت الثالثة إلى يوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم » .

ورد مطولا من حديث أنس ، رواه أحمد والشيخان ، والإمام أحمد من طريق آخر ، والترمذي والبيهقي مختصرا ، وعن أبي بكر الصديق . رواه الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى وأبو عوانة ، وابن حبان في صحيحيهما وأبي هريرة رواه الشيخان ، وابن عباس رواه أحمد وأبو يعلى ، وعقبة بن عامر رواه ابن المبارك وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني ، وأبي سعيد الخدري رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة ، وسلمان رواه ابن خزيمة والطبراني بسند صحيح ، ومختصرا من رواية ابن عمر رواه البخاري من طريقين ، وحذيفة رواه مسلم والحاكم والبزار والبيهقي من طريق آخر ، وأبي بن كعب رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه على شرط مسلم من طريق آخر ، وأبو يعلى من طريق آخر ، وعبادة بن الصامت . رواه الحاكم وصححه وكعب بن مالك . رواه مسلم والطبراني ، وجابر بن عبد الله رواه البيهقي ، وعبد الله بن سلام رواه البيهقي ، وفي حديث كل من الفوائد ما ليس في الآخر ، فأدخلت بعضها في بعض وسيرت زيادة بعضهم على بعض أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : « أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذاك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، وتعطى الشمس حر عشر سنين ، ثم تدنو من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة » .

وفي حديث ابن عمر عند الشيخين : « يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه » .

وعندهما من حديث أبي هريرة « يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم العرق حتى يبلغ آذانهم » .

وفي حديث أنس عند البزار والحاكم : « إن العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول : يا رب إرسالك بي إلى النار أهون علي مما أجد ، وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب » .

وفي حديث أبي هريرة عند البيهقي « يحشر الناس حفاة عراة مشاة غرلا قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم نحو السماء فيلجمهم العرق من شدة الكرب » . [ ص: 460 ]

وفي حديث المقداد عند مسلم «تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم مقدار ميل» .

قال سليم بن عامر : فو الله ما أدري ما يعني بالميل ، أمسافة الأرض ؟ أو الميل الذي تكتحل به العين ؟ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ، وأشار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «بيده إلى فيه ، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ، فيقول بعضهم لبعض : ألا ترون إلى ما قد بلغكم ، أتنظرون من يشفع لنا ، فيقول بعض الناس لبعض :

انطلقوا إلى أبيكم آدم ، فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وعلمك أسماء كل شيء؛ فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول : لست هناكم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته ، فخرجت بخطيئتي من الجنة
.

وفي رواية : « وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم أن يغفر لي اليوم ؟ ! حسبي ، نفسي نفسي .

وفي رواية : « أنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى أبيكم بعد أبيكم ، ائتوا نوحا عبدا شكورا ، أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، فيأتون نوحا ، فيقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبدا شكورا ، واصطفاك واستجاب لك في دعائك ، ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا ، فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول نوح : لست هناكم ، إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنه كانت لي دعوة دعوتها على قومي وسألت ما ليس لي به علم ، وإن يغفر لي اليوم ، حسبي نفسي نفسي » .

وفي رواية : « أنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا فيأتون إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض قم فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول : لست هناكم إنما كنت خليلا من وراء وراء ، وإن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات ، والله ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ، وأن يغفر لي اليوم حسبي ، نفسي نفسي . [ ص: 461 ]

وفي رواية : « إنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى موسى الذي اصطفاه الله برسالته وبكلامه وقربه نجيا ، فيأتون موسى ، فيقولون : يا موسى أنت الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه ، فاشفع لنا إلى ربك ليريحنا ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! فيقول : لست هناكم ، إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ، وإن يغفر لي اليوم حسبي ، نفسي نفسي .

وفي رواية : « أنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى عيسى ، روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى ، أنت روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، وكلمت الناس في المهد فاشفع لنا إلى ربك ليريحنا ، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لست هناكم ، إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإني اتخذت من دون الله أن يغفر لي اليوم ، حسبي نفسي نفسي .

وفي رواية أنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، فيقولون إلى من تأمرنا فقال :

إن كل متاع في وعاء مختوم عليه ، أكان يقدر على ما في جوفه حتى يفض الخاتم فيقولون :

لا ، فيقول : إن محمدا خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين ، وأول من تنشق عنه الأرض ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر ، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «فإني لقائم أنتظر عند الصراط إذ جاء عيسى فيقول : يا محمد هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعوا الله أن يفوق بين الأمم إلى حيث يشاء لغم ما هم فيه
.

وفي رواية فيقولون : يا نبي الله ، أنت الذي فتح الله بك وختم ، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، وجئت في هذا اليوم آمنا ، وترى ما نحن فيه؛ فاشفع لنا إلى ربك ، فأقول : أنا صاحبكم ، أنا لها (أنا لها ) فأقوم فيثور من مجلسي من أطيب ريح ما شمها أحد قط فيجلس الناس ، فأنطلق حتى آخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ، فيقال : من هذا ؟ فأقول : محمد ، فيقول الخازن : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ، فيفتحون لي ويقولون مرحبا ، فآتي جبريل ، فيأتي جبريل ربه فيقول : ائذن له وبشره بالجنة ، فآتي تحت العرش ، فيتجلى الله لي ولا يتجلى لشيء قبلي ، فإذا رأيت ربي خررت ساجدا قدر جمعة شكرا له ، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقول : ارفع رأسك ، وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع وادع تجب ، فأرفع رأسي ، فأحمد ربي بمحامد يعلمنيها لا أقدر عليها الآية ، لم يحمده بها أحد قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي ، وأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فأقضي بينهم ، فيقول : شفعتك فيهم أنا آتيكم فأقضي بينكم» .

هذا ما يتعلق بهذه الشفاعة من الأحاديث المتقدمة ، وبقية الأحاديث متعلقة بفضل القضاء ليست مما نحن فيه . [ ص: 462 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية