الثالث عشر : في
الكلام على قوله تعالى : فكان قاب قوسين أو أدنى [النجم : 9] .
اللباب : «هاهنا مضافان محذوفان نضطر لتقديرهما ، أي فكان مقدار مسافة قربه منه مقدار مسافة قاب» .
[ ص: 42 ]
الإمام
الرازي : «أي فكان بين
جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين أو أقل ، فهذا على استعمال العرب وعادتهم ، فإن الأميرين منهم أو الكبيرين إذا اصطلحا وتعاقدا خرجا بقوسيهما ، جعل كل واحد منهما قوسه بطرف قوس صاحبه ، ومن دونهما من الرعية يكون كفه بكف صاحبه فيمدان باعيهما ، لذلك فسمي مبايعة . وعلى هذا ففيه مقدار قوسين أو كان
جبريل سفيرا بين حضرة الله تعالى عنه
ومحمد صلى الله عليه وسلم فكان كالتبع
لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فصار كالمبايع الذي يمد الباع لا القوس» .
اللباب : القاب : القدر تقول : هذا قاب هذا ، أي قدره ومثله : القيب والقاد والقيد والقيس .
الجوهري : «وقال بعضهم في الآية أراد قابي قوس فقلبه . وفي الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=886846لقاب قوس أحدكم [أو موضع قده] من الجنة خير من الدنيا وما فيها» . والقوس معروفة ، وهي ما يرمى بها وهي مؤنثة وشذوا في تصغيرها ، فقالوا قويس من غير تأنيث ، وإنما ضرب المثل بالقوس لأنها لا تختلف بالقاب وإن لم يجر لها ذكر لعدم اللبس» .
الواحدي : «المراد بالقوس التي يرمى بها عند الجمهور ، قال : وقيل المراد الذراع لأنها يقاس بها» .
nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : «وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
وعطاء ، وأبو إسحاق الهمداني ،
وأبو وائل شقيق ابن سلمة «فكان قاب قوسين» أي قدر ذراعين ، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء ، وهي لغة بعض الحجازيين ، وقيل هي لغة
أزد شنوءة أيضا» . قلت : ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أيضا .
قال
الحافظ : وينبغي أن يكون هذا القول هو الراجح ، فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=14679والضياء بسند صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : القاب والقيد والقوسان الذراعان .
اللباب : «أو» هنا كهي في قوله تعالى :
أو يزيدون لأن المعنى بأحد هذين المقدارين في رأي الرائي أي لتقارب ما بينهما لا يشك الرائي في ذلك . وقال
ابن القيم :
«أو» هنا ليست للشك بل لتحقيق قدر المسافة ، وأنها لا تزيد على قوسين البتة ، كما قال تعالى :
وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون [الصافات : 147] ، تحقيقا لهذا القدر وأنهم لا ينقصون عن مائة ألف أو يزيدون رجلا واحدا ، ونظيره قوله تعالى :
[ ص: 43 ] ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة [البقرة : 74] ، أي لا تنقص قسوتها عن قسوة الحجارة ، بل إن لم تزد على قسوة الحجارة لم تكن دونها . وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق من قول من جعل «أو» في هذا الموضع بمعنى بل ، ومن قول من جعلها للشك بالنسبة إلى الرائي ، وقول من جعلها بمعنى الواو فتأمله ، وجزم بذلك
ابن كثير .
اللباب : «أدنى أفعل تفضيل ، والمفضل عليه محذوف أو أدنى من قاب قوسين ، فمعنى الآية : ثم دنا
جبريل بعد استوائه في الأفق الأعلى من الأرض ، فتدلى ، فنزل إلى
محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان قاب قوسين أو أدنى بل أدنى .