سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
التنبيه الرابع والمائة :

قال بعض أهل الإشارات : «لما تمكنت المحبة من قلب موسى عليه السلام أضاءت له أنوار نور الطور ليقتبس ، فاحتبس فلما نودي في النادي اشتاق إلى المنادي فكان يطوف في بني إسرائيل فيقول : من يحملني حتى أبلغ رسالة ربي ، ومراده أن تطول المناجاة مع الحبيب ، فلما مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ردده في أمر الصلاة ليسعد برؤية حبيب الحبيب . وقال آخر : لما سأل موسى عليه السلام الرؤية ولم تحصل له البغية ، بقي الشوق يقلقه والأمل يعلله ، فلما تحقق أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم منح الرؤية وفتح له باب المزية أكثر السؤال ليسعد برؤية من قد رأى ، كما قيل :


وأستنشق الأرواح من نحو أرضكم لعلي أراكم أو أرى من يراكم     وأنشد من لاقيت عنكم عساكم
تجودون لي بالعطف منكم عساكم     فأنتم حياتي إن حييت وإن أمت
فيا حبذا إن مت عبد هواكم

وقال آخر :


وإنما السر في موسى يردده ،     ليجتلي حسن ليلى حين يشهده
يبدو سناها على وجه الرسول فيا     لله در رسول حين أشهده

وقال آخر : لما جلس الحبيب في مقام القرب ، دارت عليه كؤوس الحب ، ثم عاد وهلال ما كذب الفؤاد ما رأى [النجم : 11] بين عينيه ، وبشر فأوحى إلى عبده ما أوحى

[النجم : 10] ملء قلبه وأذنيه . فلما اجتاز بموسى عليه السلام قال لسان حاله لنبينا صلى الله عليه وسلم :


يا واردا من أهيل الحي يخبرني     عن جيرتي شنف الأسماع بالخبر
ناشدتك الله يا راوي حديثهم     حدث فقد ناب سمعي اليوم عن بصري

فأجاب لسان حال نبينا صلى الله عليه وسلم :


ولقد خلوت مع الحبيب وبينا     سر أرق من النسيم إذا سرى
وأباح طرفي نظرة أملتها     فغدوت معروفا وكنت منكرا

.

التالي السابق


الخدمات العلمية