تنبيهات
الأول : قال القاضي رحمه الله" . "سئلت قديما عن
معنى
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=659434 "كنت شهيدا أو شفيعا" ،
ولم
خص ساكن المدينة بالشفاعة هنا مع عموم شفاعته وادخاره إياها لأمته؟ وأجيب بأن "أو" ليست هنا للشك ، خلافا لمن ذهب إليه ، إذ قد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ، وأبو سعيد ، nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، وصفية بنت أبي عبيد ، nindex.php?page=showalam&ids=116وأسماء بنت عميس رضي الله عنهم بهذا اللفظ ، ويبعد اتفاق الكل واتفاق رواياتهم على الشك ، ووقوعه بصيغة واحدة ، بل الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قال كذلك هكذا ، فإما أن يكون هو أعلم بهذه الجملة هكذا ، وإما أن تكون "أو" للتقسيم ، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم شفيعا لبعض
أهل المدينة وشهيدا لبعضهم الآخر ، إما شهيدا
[ ص: 309 ] للطائعين وشفيعا للعاصين ، أو شهيدا لمن مات في حياته ، شفيعا لمن مات بعده ، أو غير ذلك مما الله أعلم به ، وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة لكافة المذنبين ، وعلى الشهادة لكافة الأمة ،
وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651257 "أنا شهيد على هؤلاء" ،
فيكون في تخصيصهم زيادة منزلة ، وقد تكون "أو" بمعنى الواو ، فيكون لأهل المدينة شهيدا وشفيعا بالشفاعة العامة . وإن جعلنا "أو" للشك كما ذهب إليه بعضهم ، فإن كانت اللفظة الصحيحة فلا إشكال ، إذ هي زائدة على الشفاعة المدخرة ، وإن كانت الصحيحة شفيعا فاختصاص
أهل المدينة بهذا مع ما جاء في عمومها وادخاره لجميع الأمة أن هذه شفاعة أخرى غير العامة التي هي لإخراج أمته من النار وإخراج بعضهم منها بشفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، وتكون هذه الشفاعة
لأهل المدينة زيادة في الدرجات أو تخفيف الحساب بما شاء الله من إكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة .
الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651738 "تنفي الناس" ، وفي لفظ "الرجال" ، قال القاضي : "كان هذا يختص بزمنه؛ لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه" . وقال
النووي : "ليس هذا بظاهر ، لأن عند
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=886822لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد ، وهذا والله أعلم زمن الدجال" . قال الحافظ : "ويحتمل أن يكون المراد كلا من الزمانين ، وكان الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم السبب المذكور ، ويؤيده قصة الأعرابي الذي استقاله ، فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معللا به خروج الأعرابي وسؤاله الإقالة من البيعة ، ثم يكون ذلك أيضا آخر الزمان ، عندما ينزل الدجال ، فترجف الأرض بأهلها ، فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه" .
وقال السيد : "وقد أبعد الله عنها أرباب الخبث الكامل وهم الكفار ، وأما غيرهم فقد يكون إبعاده إن مات بها بنقل الملائكة له كما أشار إليه
الأقشهري ، أو المراد إبعاد أهل الخبث الكامل فقط ، وهم أهل الشقاء والكفر ، لا أهل السعادة والإسلام ، لأن القسم الأول ليس قابلا للشفاعة ولا للمغفرة ، أو المراد فيما عدا قصة الأعرابي والدجال أنها تخلص النفوس من شرها وظلمات ذنوبها ، بما فيها من اللأواء والمشقات ، ومضاعفة المثوبات وتوالي الرحمات ، وقد قال تعالى :
إن الحسنات يذهبن السيئات [هود 114] ، ويحتمل أن يكون بمعنى أنه لا يخفى حال من انطوى فيها على خبث ، بل تظهر طويته كما هو مشاهد بها ، ولم أر إلى الآن من نص على هذا الاحتمال ، وهو في حفظي قديما ، ويؤيده ما في غزوة أحد في الصحيح من أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد رجع ناس من أصحابه -أي وهم المنافقون-
فقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651750 "المدينة كالكير"
(الحديث ) ، والذي ظهر لي من مجموع الأحاديث واستقراء أحوال هذه البلدة الشريفة أنها تنفي خبثها بالمعاني الأربعة" .
[ ص: 310 ]
وقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651742 "لو كانوا يعلمون" أي بفضلها من الصلاة في المسجد النبوي ، أو ثواب الإقامة فيها وغير ذلك . ويحتمل أن "لو" بمعنى "ليت" ولا يحتاج إلى تقدير ، وعلى الوجهين ففيه تجهيل لمن فارقها وآثر غيرها . قالوا : والمراد به الخارجون من
المدينة رغبة عنها كارهين لها . وأما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث .
قال الطيب : "الذي يقتضيه هذا المقام أن ينزل أولئك الذين "لا يعلمون" منزلة اللازم لتنتفي عنهم المعرفة بالكلية ، ولو ذهبوا مع ذلك التمني لكان أبلغ؛ لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله ، أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظا وتشديدا" . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي : "المعنى أنه يفتح
اليمن ، فيعجب قوما بلادها ، وعيش أهلها ، فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم وأهليهم حتى يخرجوا من
المدينة ، والحال أن الإقامة في
المدينة خير لهم ، لأنها حرم النبي صلى الله عليه وسلم وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها" .
وقواه
الطيبي لتنكير قومه ووصفهم بكونهم يبسون ، ثم توكيده بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651742لو كانوا يعلمون ، لأنه يشعر بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني ، وأعرض عن الإقامة في جوار النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كرر قوما" ووصفهم في كل مرتبة بقوله يبسون بسبب اتخاذهم لتلك الهيئة القبيحة .
الثالث : في بيان غريب ما سبق :
"يبسون" : بمثناة تحتية فموحدة مضمومة وتكسر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : معناه يسوقون دوابهم ، والبس : سوق الإبل بقول بس بس عند السوق وإرادة السرعة .
"الأرياف" : جمع ريف بكسر الراء ، موضع الخصب- بكسر الخاء المعجمة- والسعة في المطعم .
"اللأواء" : بالفتح والمد : الشدة وضيق المعيشة .
"تنفي الخبث" : أي بإظهاره وإخراجه .
"الكير" : بكسر الكاف وسكون التحتية ، وهو المعروف بين الناس أنه الزق الذي ينفخ فيه ، لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير كانون الحداد والصائغ ، وقيل : الكير هو الزق ، والكانون هو الكور .
[ ص: 311 ]
"خبث الحديد" : بضم الخاء المعجمة والموحدة فمثلثة : وسخه الذي تخرجه النار ، والمراد هنا : لا يترك فيها من في قلبه دغل وغش ونفاق يميزه عن القلوب الصادقة ويخرجه منها كما يميز الحداد رديء الحديد من جيده ، وينسب التمييز للكير لكونه السبب الأكيد في اشتعال النار التي يقع التمييز بها .
"تنصع" : بمثناة فوقية فنون ساكنة فصاد فعين مهملتين : من النصوع وهو الخلوص ، والمعنى أنها إذا نفت الخبث تميز الطيب ، واستقر بها طيبها . رواه الأكثر بالنصب على المفعولية ، أي تنصع طيبها ، وذكر بعض رواة الصحيح : ينصع طيبها على الفاعلية .
"الآطام" : بالمد جمع أطم بضمتين ، وهي الحصون التي تبنى بالحجارة ، وقيل : هو كل بيت مربع مسطح .
[ ص: 312 ]