فأولئك السادات لم تر مثلهم عين على متتابع الأحقاب لم يعرفوا رد العفاة وطالما
ردوا عداتهم على الأعقاب زهر الوجوه كريمة أحسابهم
يعطون عافيهم بغير حساب حلموا إلى أن لا تكاد تراهم
يوما على ذي هفوة بغضابه وتكرموا حتى أبوا أن يجعلوا
بين العفاة ومالهم من باب كانت تعيش الطير في أجنابهم
والوحش حين تشح كل سحاب وكفاهم أن النبي محمدا،
منهم فمدحهم بكل كتاب
نسب أضاء وشمسه من هاشم وسماؤه من يعرب ونزار
من معشر ورثوا السيادة كابرا عن كابر فهم كبار كبار
أقمار أندية أسود وقائع أطواد أحلام سحاب قطار
لا عار فيهم غير طول تيقظ ما زال ينفي ضيق طيف العار
أهل الرفادة والحجابة والحجا وسقاية الحجاج والزوار
المطعمون إذا البلاد مجيعة ومبدلو الإعسار بالإيسار
والمجتبي الهادي خيارهم وهم بين الأنام خيار كل خيار
مدحت رسول الله أبغي بمدحه وفور حظوظي من كريم المواهب
مدحت أمراء فات المديح موحدا بأوصافه من مبعد أو مقارب
نبيا تسامى في المشارق نوره فلاحت هواديه لأهل المغارب
أتتنا به الأنباء قبل مجيئه وشاعت به الأخبار في كل جانب
وأصبحت الكهان تهتف باسمه وتنفي به رجم الظنون الكواذب
وأنطقت الأصنام نطقا تبرأت إلى الله فيه من مقال الأكاذب
وقالت لأهل الكفر قولا مبينا أتاكم نبي من لؤي بن غالب
[ ص: 241 ] ورام استراق السمع جن فزيلت مقاعدهم منها رجوم الكواكب
هدانا إلى ما لم نكن نهتدي له لطول العمى عن موضحات المذاهب
وجاء بآيات تبين أنها دلائل جبار مثيب معاقب
فمنها انشقاق البدر حتى تعممت شعوب الضيا منه رؤوس الأخاشب
ومنها نبوع الماء بين بنانه وقد عدم الوراد قرب المشارب
فروى بها جما غفيرا وأسهلت بأعناقه طوعا أكف المذانب
وبئر طغت بالماء من مس سهمه ومن قبل لم تسمح بمذقة شارب
وضرع مراه فاستدر ولم يكن به درة تصغي إلى كف حالب
ونطق فصيح من ذراع مبينة لكيد عدو للعداوة ناصب
وإخباره بالأمر من قبل كونه وعند مباديه بما في العواقب
ومن تلكم الآيات وحي أتى به قريب المآتي مستجم العجائب
تقاصرت الأفكار عنه فلم تطع بليغا ولم يخطر على قلب خاطب
حوى كل علم واحتوى كل حكمة وفات مرام المستمر الموارب
أتانا به لا عن روية مرتئي ولا صحف مشتمل ولا وصف كاتب
يواتيه طورا في إجابة سائل وإفتاء مستفت ووعظ مخاطب
وإتيان برهان وفرض شرائع وقص أحاديث ونصب مآدب
وتصريف أمثال وتثبيت حجة وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب
وفي مجمع النادي وفي حومة الوغى وعند حديث المعضلات الغرائب
فيأتي على ما شئت من طرقاته كريم المعاني مستدر الصوائب
وصدق منه البعض بعضا كأنما يلاحظ معناه بعين المراقب
وعجز الورى عن أن يجيئوا بمثل ما وصفناه معلوم بطول التجارب
[ ص: 242 ] تأبى بعبد الله أكرم والد تبلج منه عن كريم مناسب
وشيبة ذي الحمد الذي فخرت به قريش على أهل العلى والمناصب
ومن كان يستسقى الغمام بوجهه ويصدر عن آرائه في النوائب
وهاشم الباني مشيد افتخاره بغر المساعي وابتذال المواهب
وعبد مناف وهو علم قومه اشتطاط الأماني واحتكام الرغائب
وإن قصيا من كرام غراسه لفي منهل لم يدن من كف قاضب
به جمع الله القبائل بعد ما تقسمها نهب الأكف السوالب
وحل كلاب من ذرا المجد معقلا تقاصر عنه كل دان وعازب
ومرة لم يحلل مريرة عزمه سفاه سفيه أو محوبة حائب
وكعب علا عن طالب المجد كعبه فنال بأعلى السعي أعلى المراتب
وألوى لؤي بالعداة فطوعت له همم الشم الأنوف الأغالب
وفي غالب بأس أبى الناس دونهم يدافع عنه كل قرن مغالب
وكانت لفهر في قريش خطابة يعوذ بها عند اشتجار المخاطب
وما زال منهم مالك خير مالك وأكرم مصحوب وأنجد صاحب
وللنضر طول يقصر الطرف دونه بحيث التقى ضوء النجوم الثواقب
لعمري لقد أبدى كنانة قبله محاسن تأبى أن تطوع لغالب
ومن قبله أبقى خزيمة حمده تليد تراث عن حميد الأقارب
ومدركة لم يدرك الناس مثله أعف وأعلى عن دنيء المكاسب
وإلياس كان اليأس منه مقارنا لأعدائه قبل اعتداد الكتائب
وفي مضر مستجمع الفخر كله إذا اعتركت يوما زحوف المقانب
وحل نزار من رياسة أهله محلا تسامى عن عيون الرواقب
وكان معد عدة لوليه إذا خاف من كيد العدو المحارب
وما زال عدنان إذا عد فضله توحد فيه عن قريب وصاحب
وأد تأدى الفضل منه لغاية وإرث حواه عن قروم أشايب
وفي أدد حلم تزين بالحجا إذا الحلم أزهاه قطوب الحواجب
وما زال يستعلي هميسع بالعلى . ويتبع آمال البعيد المراقب
[ ص: 243 ] ونبت نمته دوحة العز وابتنى معاقله في مشمخر الأهاضب
وحيزت لقيدار سماحة حاتم وحكمة لقمان وهمة حاجب
هم نسل إسماعيل صادق وعده فما بعده في الفخر مسعي لذاهب
وكان خليل الله أكرم من عنت له الأرض من ماش عليها وراكب
وتارح ما زالت له أريحية تبين منه عن حميد الضرائب
وناحور نحار العدى حفظت له مآثر لما يحصها عد حاسب
وساروغ في الهيجاء ضيغم غابة يقد الكماة بالمرهفات القواضب
وأرغو فناب في الحروب محكم ظنين على نفس المشيح المغالب
وما فالغ في فضله تلو قومه ولا عابر من دونهم في المراتب
وفالخ وأرفخشذ وسام سمت بهم سجايا حمتهم كل زار وعائب
وما زال نوح عند ذي العرش فاضلا يعدده في المصطفين الأطايب
ولمك أبوه كان في الروع رائعا جريا على نفس الكمي المضارب
ومن قبل لمك لم يزل متوشلخ يذود العدى بالذائدات الشوازب
وكانت لإدريس النبي منازل من الله لم تقرن بهمة غالب
ويارد بحر عند أهل سراته أبي الخزايا مستدق المذاهب
وكانت لمهياييل فيهم فضائل مهذبة من فاحشات المثالب
وقينان من قبل اقتنى مجد قومه وفات بشأو الفضل وخد الركائب
وكان أنوش ناش للمجد نفسه ونزهها عن مرديات المطالب
وما زال شيث بالفضائل فاضلا شريفا بريا من ذميم المعائب
وكلهم من نور آدم أقبسوا وعن عوده أجنوا ثمار المناقب
وكان رسول الله أكرم منجب جرى في ظهور الطيبين المناجب
مقابلة آباؤه أمهاته مبراة من فاضحات المثالب
عليه سلام الله في كل شارق ألاح لنا ضوءا وفي كل غارب