تنبيهات
الأول :
السحر يطلق ويراد به الآلة التي يسحر بها ، ويطلق ويراد به فعل الساحر ، وتكون الآلة تارة معنى من المعاني فقط ، كالرقى والنفث في العقد ، وتارة تكون بالمحسوسات . وتارة تجمع الأمرين : الحسي والمعنوي ، وهو أبلغ .
الثاني : اختلف في السحر ، فقيل : هو تخييل فقط ولا حقيقة له ، وهو اختيار
أبي جعفر الأستراباذي من الشافعية ،
وأبي بكر الدارمي من الحنفية ،
وابن حزم الظاهري وطائفة . قال
النووي : "والصحيح أن للسحر حقيقة ، وبه قطع الجمهور ، وعليه عامة العلماء ، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة" انتهى . ولكن محل النزاع : هل يقع بالسحر انقلاب عين أو لا؟ فمن قال إنه تخييل فقط ، منع . وقيل إن له حقيقة . واختلفوا هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج ، فيكون نوعا من الأمراض ، وينتهي إلى حالة بحيث يصير الجماد حيوانا مثلا وعكسه؟
فالذي عليه الجمهور ، الأول . وذهبت طائفة قليلة إلى الثاني .
فإن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلم به ، وإن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل الخلاف ، فإن كثيرا ممن يدعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه . وذكروا قوما أنكروا السحر مطلقا ، وكأنهم عنوا القائلين بأنه تخييل ، وإلا فهذه مكابرة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : جمهور العلماء على إثبات السحر وأن له حقيقة ، ونفى بعضهم حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة ، وهو مردود لورود النقل بإثبات السحر ، ولأن العقل لا ينكر أن الله تعالى قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق ، أو تركيب أجسام ، أو بمزج بين قوى على ترتيب مخصوص ، ونظير ذلك ما يقع من حذاق الأطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده ، فيصير بالتركيب نافعا . وقيل : لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله :
يفرقون به بين المرء وزوجه [سورة البقرة ، آية 102] لكون المقام مقام تهويل ، فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : "والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك ، والآية ليست نصا في منع الزيادة ، ولو قلنا إنها ظاهرة في ذلك" . ثم ذكر الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة ، وقد ذكرته في أبواب المعجزات .
الثالث : قال
النووي : "عمل السحر حرام ، وهو من الكبائر بإجماع ، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات ، ومنه ما يكون كفرا ، ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة ، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر ، كالتعبد للشياطين أو الكواكب . وأما تعليمه وتعلمه فحرام ، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر استتيب منه [متعاطيه] ولا يقتل . فإن تاب قبلت توبته ، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر . وعن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : الساحر كافر ، يقتل ولا يستتاب . بل يتحتم
[ ص: 413 ]
قتله كالزنديق . قال القاضي : "وبقول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وجماعة من الصحابة والتابعين" . انتهى .
وإلى ذلك جنح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
الرابع : قال الحافظ : "أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين : إما لتميز ما فيه من كفر من غيره ، وإما لإزالته عمن وقع فيه . فأما الأول فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد ، فإذا سلم الاعتقاد ، فمعرفة الشيء معرفة مجردة لا تستلزم منعا ، كمن يعرف عبادة أهل الأوثان ، لأن كيفية ما يعرفه الساحر إنما هي حكاية قول وفعل ، بخلاف تعاطيه والعمل به . وأما الثاني ، فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلا ، وإلا جاز للمعنى المذكور ، ولهذا مزيد بسط يأتي إن شاء الله في أبواب عصمته صلى الله عليه وسلم .
الخامس :
لبيد- بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة ثم مهملة- ابن الأعصم بوزن أحمر بمهملتين- وصف في رواية بأنه من يهود بني زريق . وفي رواية [أخرى] بأنه رجل من بني زريق حليف يهود ، وكان منافقا . ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر ، ومن أطلق عليه منافقا نظر إلى ظاهر أمره . قال
أبو الفرج : وهذا يدل على أنه أسلم نفاقا ، وهو واضح .
السادس : في مدة مكثه صلى الله عليه وسلم مسحورا : وقع في رواية
أبي ضمرة عند
nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي في صحيحه
أنه صلى الله عليه وسلم مكث أربعين ليلة . وفي رواية
وهيب عن
هشام عند الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ستة أشهر .
ويمكن الجمع بينهما بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه ، والأربعون يوما من استحكامه .
قال
السهيلي : لم أقف على شيء من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث صلى الله عليه وسلم فيها من السحر ، حتى ظفرت به في جامع
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر [بن راشد] عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال :
"سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة [يخيل إليه أنه يفعل الفعل ولا يفعله] . وقد وجدناه موصولا بإسناد صحيح ، فهو المعتمد .
السابع : قوله : "فدعا الله عز وجل ، ثم دعا الله عز وجل" : قال الإمام
النووي : "فيه
استحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهات وتكريره ، وحسن الالتجاء إلى الله تعالى في رفع ذلك" . قال الحافظ : "سلك النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القضية مسلكي التفويض وتعاطي الأسباب ، ففي أول الأمر فوض وسلم لأمر ربه ، واحتسب الأجر في صبره على بلائه . ثم لما تمادى ذلك وخشي من تماديه أن يضعف عن عبادته جنح إلى التداوي ثم إلى الدعاء . وكل من المقامين غاية "في الكمال" .
الثامن : وقع في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عند
ابن سعد : nindex.php?page=hadith&LINKID=842363أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل nindex.php?page=showalam&ids=8عليا وعمارا لاستخراج السحر . وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في الصحيح :
أنه صلى الله عليه وسلم توجه إلى البئر مع جماعة . وعن
[ ص: 414 ] ابن سعد عن
عمر بن الحكم مرسلا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503865 "فدعا جبير بن إياس الزرقي فدله على موضعه في بئر ذروان تحت أرعوفة البئر ، فخرج جبير حتى استخرجه . قال
ابن سعد : ويقال : إن الذي استخرج السحر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيس بن محصن الزرقي . ويجمع بأنه أعان
جبيرا على ذلك وباشره بنفسه ، فنسب إليه . التاسع : في بيان غريب ما سبق :
"الحديبية" : يأتي الكلام عليها في غزوتها .
"الحليف" : المعاهد .
"بنو زريق" : بتقديم الزاي ، تصغير أزرق .
"أشعرت؟" : أعلمت؟ .
"مطبوب" : مسحور . يقال : طب الرجل- بالضم- إذا سحر ، وكنوا بالطب عن السحر تفاؤلا بالبرء ، كما كنوا بالسليم عن اللديغ . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي في "المفهم" : "إنما قالوا للسحر طب ، لأن أصل الطب الحذق بالشيء والتفطن له ، فلما كان كل من عالج المرض والسحر إنما يأتي عن فطنة وحذق ، أطلق على كل منهما هذا الاسم .
"مشط" : معروف ، وتقدم الكلام عليه في شرح غريب قصة المعراج .
"مشاطة" . ما مشط من الرأس .
"مشاقة" قيل : مشاقة الكتان . وقيل : المشاقة هي المشاطة بعينها ، والقاف تبدل من الطاء لقرب المخرج ، وهما بمعنى واحد .
"جف" : بالجيم والفاء : وهو الغشاء الذي يكون على الطلع .
"الظلع" : يطلق على الذكر والأنثى ، فلهذا قيده بالذكر ، وفي رواية في الصحيح بتنوين طلعة ذكر ، فهو صفة ألحقت إلى ذكر .
"بئر ذروان" : بالذال المعجمة ، وزن مروان . وفي رواية "ذي أروان" وهي الأصل ، فسهلت الهمزة لكثرة الاستعمال فصارت ذروان . وفي رواية
السهيلي : ذي روان بإسقاط همزته [وهو] غلط .
"الراعوفة" : كذا لأكثر رواة الصحيح بزيادة ألف خلافا لابن التين ، حيث زعم أن رعوفة
[ ص: 415 ] للأصيلي فقط ، وهو المشهور في اللغة . وفي لغة أرعوفة . وفي رواية عند
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد "راعوثة" ، بثاء مثلثة بدل الفاء ، وهي لغة أخرى معروفة . وفيها لغة أخرى "زعوبة" بالزاي والموحدة ، وهما بمعنى واحد . والراعوفة : حجر يوضع عند رأس البئر لا يستطاع قلعه ، يقوم عليه المستقي ، وقد يكون في أسفل البئر إذا احتفرت ، يجلس عليها الذي ينظف البئر ، وهو حجر يوجد صلبا لا يستطاع قلعه .
nindex.php?page=hadith&LINKID=661067 "أفتاني فيما استفتيته فيه" : أجابني فيما دعوته ، فأطلق على الدعاء استفتاء لأن الداعي طالب ، والمجيب مستفتى ، والمعنى : أجابني عما سألته عنه ، لأن دعاءه كان الله أطلعه على حقيقة ما هو فيه لما اشتد عليه الأمر .
"أنشط من عقال" : بضم الهمزة . وفي رواية إسقاط الألف ، أي حل كما قال في "النهاية" ، وكثيرا ما يجيء في الرواية "كأنما نشط من عقال" وليس بصحيح ، يقال : نشطت العقدة إذا عقدتها ، وأنشطتها وانتشطتها إذا حللتها . انتهى . قال في "البارع" تقول العرب : "كأنما أنشط من عقال" ، بضم الهمزة . ويقال في المثل للمريض يسرع برؤه ، والمغشي عليه تسرع إفاقته في أمر شرع فيه عزيمته : "كأنما أنشط من عقال" ، ويقال نشط ، انتهى . فأثبت ما في الرواية لغة ، وهو أعرف باللغة من صاحب "النهاية" .
"تنشرت" : ظاهر صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنه من النشرة ، ويحتمل أنه من النشر بمعنى الإخراج ، فيوافق رواية من رواه بلفظ "أفأخرجته؟" ورواية "أفلا" ، وحذف المفعول للعلم به ، ويكون المراد بالمخرج ما حواه الجف لا الجف نفسه ، ليتأكد الجمع المتقدم ذكره . والنشرة : ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرا أو مسا . قيل للنشرة ذلك لأنه يكشف بها عنه ما خالطه من الداء . والله أعلم .
[ ص: 416 ]