سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الحادي عشر : في الكلام على قوله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال : 17] .

قال في زاد المعاد : اعتقد جماعة أن المراد بالآية سلب فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإضافته إلى الرب تبارك وتعالى حقيقة ، وجعلوا ذلك أصلا للجبر ، وإبطال نسبة الأفعال ونسبتها إلى الرب تبارك وتعالى وحده ، وهذا غلط منهم في فهم القرآن ، فلو صح ذلك لوجب طرده فيقال : ما صليت إذ صليت ، ولا صمت إذ صمت ، ولا فعلت كل ذلك إذ فعلت ، ولكن الله فعل ذلك ، فإن طردوا ذلك لزمهم في أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم؛ إذ لا فرق ، وإن خصوه برسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله جميعها أو رمية واحدة ناقضوا ، فهؤلاء لم يوفقهم الله تعالى لفهم ما أريد بالآية ، ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ ، فكان منه صلى الله عليه وسلم هذا الرمي ، وهو الحذف ، ومن الرب سبحانه وتعالى نهايته وهو الإيصال ، فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه ونفى عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته ، ونظير هذه الآية نفسها قوله تعالى : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم [الأنفال : 17] ثم قال : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فأخبر أنه سبحانه وتعالى وحده هو الذي تفرد بإيصال الحصا إلى أعينهم ، ولم يكن برسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن وجه الإشارة بالآية أنه سبحانه وتعالى أقام أسبابا تظهر للناس ، فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنصرة مضافا إليه وبه ، وهو خير الناصرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية