ذكر
ترك الرماة مكانهم الذي أقامهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حصل بسبب ذلك
لما رأى أصحاب
عبد الله بن جبير وهم الرماة ما حصل للمشركين قالوا : أي قوم ، الغنيمة الغنيمة ، لم تقيمون ها هنا في غير شيء ، قد هزم الله تعالى العدو ، وهؤلاء إخوانكم قد ظهروا ، وهم ينتهبون عسكرهم ، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم ، فقال
عبد الله بن جبير ومن وافقه : ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم : «احموا ظهورنا ولا تبرحوا من مكانكم ، وإذا رأيتمونا نقتل ، فلا تنصرونا ، وإن غنمنا فلا تشركونا ، احموا ظهورنا ؟ ! » فقال الآخرون : لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا . وانطلقوا فلم يبق مع أميرهم
عبد الله بن جبير إلا دون العشرة ، وذهب الباقون إلى عسكر المشركين ينتهبون ، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ، ونظر
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد إلى الجبل وقلة أهله ، فكر بالخيل وتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل - وأسلما بعد ذلك - فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم ، وثبت أميرهم عبد الله ، فقاتل حتى قتل ، فجردوه ومثلوا به أقبح مثلة ، وكانت الرماح قد شرعت في بطنه ، حتى خرقت ما بين سرته إلى خاصرته إلى عانته ، وخرجت حشوته ، وأحاطوا بالمسلمين . فبينما المسلمون قد شغلوا بالنهب والغنائم إذ دخلت الخيول تنادى فرسانها بشعارهم : يا للعزى ، يا لهبل ، ووضعوا السيوف في المسلمين وهم آمنون وكل في يديه أو حضنه شيء قد انتهبه . ولما رأى المشركون خيلهم ظاهرة رجعوا فشدوا على المسلمين فهزموهم ، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا ، وتفرق المسلمون
[ ص: 196 ] في كل وجه ، وتركوا ما انتهبوا ، وخلوا من أسروا ، وانتقضت صفوف المسلمين ، واستدارت رحاهم ، وكانت الريح أول النهار صبا فصارت دبورا ، وكر الناس منهزمين يحطم بعضهم بعضا ، فصاروا ثلاثا : ثلثا جريحا ، وثلثا منهزما ، وثلثا مقتولا ، وصرخ الشيطان - لعنه الله - : أي عباد الله ، إخوانكم . فرجعت أولاهم ، فاجتدلت هي وأخراهم ، وهم يظنون أنهم من العدو . وكان غرض إبليس بذلك أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا ، وكان أول النهار للمسلمين على الكفار ، كما قال تعالى :
ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين [آل عمران 152 ] . فما كانت دولة أسرع من دولة المشركين . وصرخ الشيطان عند
جبل عينين وقد تصور في صورة
جعال بن سراقة رضي الله عنه : «إن محمدا قد قتل » ثلاث صرخات ، ولم يشك فيه أنه حق وكان
جعال إلى جنب
أبي بردة يقاتل أشد القتال ، فقال جماعة من المسلمين لما سمعوا ذلك : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم ، وعلى ما كان عليه نبيكم ، حتى تلقوا الله تعالى شهداء ؟ ! وقال جماعة : ليت لنا رسولا إلى
عبد الله بن أبي لنا أمانا من
أبي سفيان ، يا قوم إن
محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم ، قبل أن يأتوكم فيقتلوكم ، واختلط المسلمون ، فصاروا يقتلون على غير شعار ، ويضرب بعضهم ، بعضا ، من العجلة والدهش وما يدري .
وتفرق المسلمون في كل وجه ، وانهزمت طائفة منهم حتى دخلت
المدينة ، فلقيتهم
nindex.php?page=showalam&ids=11406أم أيمن فجعلت تحثو في وجوههم التراب وتقول لبعضهم : «هاك المغزل فاغزل به ، وهلم سيفك » .
ولما انكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا نفر يسير لم يبق للمسلمين لواء قائم ولا فئة ، وإن كانت خيل المشركين لتجوسهم مقبلة مدبرة في الوادي ، يلتقون ولا يفترقون ، ما يرون أحدا من الناس يردهم ، حتى رجعوا إلى معسكرهم ، وأصعد بعض المسلمين في الجبل ، واستشهد منهم من أكرمه الله تعالى بالشهادة ، ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صرخ به الشيطان قال : هذا إزب العقبة .