سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله معه المشركون

تكاثر المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا قتله . رمى عتبة بن أبي وقاص - لعنه الله - رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أحجار فكسر حجر منها رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى .

قال الحافظ : والمراد بكسر الرباعية - وهي السن التي بين الثنية والتاب - أنها كسرت فذهب منها فلقة ، ولم تقلع من أصلها .

وروى عبد الرزاق في تفسيره عن مقسم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص حين كسر رباعيته ورمى وجهه ، فقال : اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت - كافرا ، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار ، ورواه أبو نعيم من وجه آخر عن ابن عباس .

وروى الحاكم عن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه : أنه لما رأى ما فعل عتبة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله من فعل بك ؟ قال : «عتبة بن أبي وقاص » . قلت : أين توجه ؟ فأشار إلى حيث توجه ، فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه ، فأخذت رأسه وفرسه ، وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [فسلم ] ذلك إلي ، ودعا لي فقال : «رضي الله عنك » ، مرتين .

[ ص: 199 ] وروى الخطيب في تاريخ بغداد عن الحافظ محمد بن يوسف الفريابي قال : بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبي ، فنبتت له رباعية .

قال السهيلي : ولم يولد من نسل عتبة ولد يبلغ الحلم إلا وهو أهتم أبخر ، يعرف ذلك في عقبه . وشجه عبد الله بن شهاب الزهري - وأسلم بعد ذلك - في وجهه ، وسال الدم من الشجة حتى أخضل الدم لحيته الشريفة . نفسي له الفداء .

ورواه عبد الله بن قمئة - بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة - فشج وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته . وعلاه بالسيف . وكان عليه درعان ، فوقع صلى الله عليه وسلم في حفرة أمامه على جنبه ، وهي من الحفر التي عملها أبو عامر الفاسق ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون ، فأغمي عليه صلى الله عليه وسلم ، كما رواه ابن جرير عن قتادة ، فأخذ علي بن أبي طالب بيده ، ورفعه طلحة حتى استوى قائما فجحشت ركبتاه ، ولم يصنع سيف ابن قمئة شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف ، ومكث يجد وهن الضربة على عاتقه شهرا ، أو أكثر من شهر . ورمته جماعة كثيرة بالحجارة حتى وقع لشقه .

وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه : أن ابن قمئة لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : خذها وأنا ابن قمئة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أقمأك الله » ، فسلط الله تعالى عليه تيس جبل ، فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة .

وروى أبو نعيم عن نافع بن عاصم قال : الذي أدمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن قمئة رجل من هذيل ، فسلط الله تعالى عليه تيسا ، فنطحه حتى قتله .

وروى أبو داود الطيالسي وابن حبان عن عائشة قالت : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال : ذلك اليوم كله لطلحة ، ثم أنشأ يحدث قال : كنت ممن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه - قال : وأراه قال يحميه - قال : قلت : كن طلحة حيث فاتني ما فاتني ، فقلت : يكون رجلا من قومي أحب إلي ، وبيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا أعرفه ، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، وهو يخطف خطفا لا أخطفه ، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح ، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كسرت رباعيته ، وشج وجهه ، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكما صاحبكما ، يريد طلحة ، وقد نزف الدم فتركناه ، وذهبت لأنزل ذلك من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو عبيدة : أقسمت عليك بحقي لما تركتني ، فتركته ، وكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأزم [ ص: 200 ] عليها بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين ، ووقعت ثنيته مع الحلقة ، وذهبت لأصنع ما صنع ، فقال : أقسمت عليك بحقي لما تركتني ، ففعل كما فعل في المرة الأولى ، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة ، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما ، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفر ، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة وضربة ورمية ، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه .

وذكر محمد بن عمر أن طلحة أصيب يومئذ في رأسه ، فنزف الدم حتى غشي عليه ، فنضح أبو بكر الماء في وجهه حتى أفاق فقال : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : خيرا ، هو أرسلني إليك ، قال : الحمد لله ، كل مصيبة بعده جلل .

وفي حديث أبي سعيد الخدري عن محمد بن عمر : أن الحلقتين لما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن ، فجعل مالك بن سنان يأخذ الدم بفيه ويمجه منه ويزدرد منه ، فقال له : «أتشرب الدم ؟ » قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من مس دمه دمي لم تصبه النار » . وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه ، يقع النبل في ظهره وهو ينحني عليه ، حتى كثر عليه النبل وهو لا يتحرك .

وقاتل عبد الرحمن بن عوف قتالا شديدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصيب فوه فهتم ، وجرح عشرين جراحة أو أكثر ، وجرح في رجله ، وكان يعرج منها . وروى ذلك الحاكم عن إبراهيم بن سعد . وقاتل سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالا شديدا .

روى الحاكم عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال : لما جال الناس يوم أحد تلك الجولة تنحيت فقلت : أذود عن نفسي ، فإما أنجو وإما أن أستشهد ، فإذا رجل محمر وجهه قد كاد المشركون أن يركبوه ، فملأ يده من الحصا فرماهم به ، وإذا بيني وبينه المقداد ، فأردت أن أسأله عن الرجل ، فقال لي : «يا سعد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك » فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الأذى ، فأتيته فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول : «اللهم سهمك فارم به عدوك » ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم استجب لسعد ، اللهم سدد لسعد رميته ، إيها سعد ، فداك أبي وأمي ، فما من سهم أرمي به إلا قال رسول الله : «اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته » ، حتى إذا فرغت من كناني نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته فنبلني سهما نضيا قال وهو الذي قد ريش وكان أسد من غيره .

[ ص: 201 ] قال الزهري : السهام التي رمى بها سعد يومئذ كانت ألف سهم
.

وروى ابن عائذ عن يحيى بن حمزة مرسلا ، عن سعد بن أبي وقاص قال : رميت بسهم فرد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمي أعرفه ، حتى واليت بين ثمانية أو تسعة ، كل ذلك يرده علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت هذا السهم في كنانتي لا يفارقني .

وروى البخاري والحسن بن عرفة ، عن سعد قال : نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد ، وقال : «ارم فداك أبي وأمي » .

روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك ، سمعته يقول يوم أحد : «يا سعد ارم فداك أبي وأمي » . وروى أيضا عن سعد قال : «لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بين أبويه كليهما ، يريد حين قال : «فداك أبي وأمي ، وهو يقاتل » .

قال محمد بن عمر رحمه الله : كان رجال من المشركين قد أذلقوا المسلمين بالرمي منهم حبان بن العرقة ، وأبو أسامة الجشمي . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسعد : «ارم فداك أبي وأمي » ورمى حبان بسهم فأصاب ذيل أم أيمن وكانت تسقي الجرحى ، فانكشف عنها فاستغرب عدو الله في الضحك ، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى سعد [بن أبي وقاص سهما ] لا نصل له ، فقال : «ارم به » ، فوقع السهم في ثغرة نحر حبان ، فوقع مستلقيا وبدت عورته ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : «استقاد لها سعد أجاب الله دعوتك وسدد رميتك » .

وكان مالك بن زهير أخو أبي أسامة الجشمي وهو وحبان بن العرقة قد أكثرا في المسلمين القتل بالنبل ، فرمى سعد مالكا بسهم أصاب عينه ، حتى خرج من قفاه وقتله . وقاتلت أم عمارة نسيبة - وهي بمهملة وموحدة مصغر على المشهور ، وعن ابن معين والفربري ككريمة - بنت كعب المازنية يومئذ ، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وباشرت القتال ، وجعلت تذب عنه بالسيف ، وترمي عن القوس . ولما قصد ابن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترضت له ومصعب بن عمير ، وضربت ابن قمئة ضربات ، ولكن عدو الله كان عليه درعان ، وضربها هو بالسيف فجرحها جرحا عظيما ، صار له فيما بعد غور . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان وقال : «ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني » . وقال لابنها عبد الله بن زيد بن عاصم : «بارك الله [ ص: 202 ] تعالى عليكم أهل بيت ، مقام أمكم خير من مقام فلان وفلان ، ومقام زوج أمك غزية بن عمرو خير من مقام فلان وفلان ، رحمكم الله أهل بيت » . قالت أم عمارة : «ادع الله تعالى أن نرافقك في الجنة » ، قال : «اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة » . قالت : «ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا » .

قال البلاذري : شهدت نسيبة يوم أحد وزوجها وابناها ، وخرجت معها بشن لها تسقي الجرحى ، فقاتلت وجرحت اثني عشر رجلا بسيف ورمي ، وكانت أول النهار تسقي المسلمين ، والدولة لهم ، ثم قاتلت حين كر المشركون ، وقاتلت يوم اليمامة فقطعت يدها وهي تريد مسيلمة الكذاب لتقتله . قالت : «ما كانت لي ناهية حتى رأيت الخبيث مقتولا وإذا ابني عبد الله بن زيد يمسح سيفه بثيابه ، فقلت : أقتلته ؟ قال : نعم ، فسجدت لله شكرا » .

وروى ابن سعد عن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال : أتى عمر بن الخطاب بمروط وفيها مرط جيد واسع ، فقال بعضهم : لو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد . فقال : «ابعثوا به إلى من هو أحق به منها ، إلى أم عمارة نسيبة بنت كعب ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دوني » .

وانحاز صلى الله عليه وسلم إلى الجبل لينظر أمر الناس ، وليعرفه أصحابه ، فيقصدوه ، فأدركه المشركون يريدون ما الله تعالى حائل بينه وبينهم ، فدثه جماعة بالحجارة حتى وقع لشقه .

وروى النسائي والبيهقي بسند جيد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار ، وطلحة بن عبيد الله ، وهو يصعد في الجبل ، فلحقهم المشركون ، فقال : «ألا أحد لهؤلاء ؟ » فقال طلحة : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كما أنت يا طلحة » ، فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله . فقاتل عنه ، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه من أصحابه ، ثم قتل الأنصاري ، فلحقوه فقال : «ألا رجل لهؤلاء ؟ » فقال طلحة مثل قوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله ، فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله ، فقاتل وأصحابه يصعدون في الجبل ، ثم قتل الأنصاري ، فلحقوه ، فلم يزل يقول مثل قوله الأول ، ويقول طلحة : أنا يا رسول الله فيحبسه ، ويستأذنه رجل من الأنصار للقتال ، فيأذن له ، فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة ، فغشوهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لهؤلاء يا طلحة ؟ » فقال : أنا ، فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله ، وأصيبت أنامله ، فقال : حس ، فقال : لو قلت : بسم الله لرفعتك الملائكة ، والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء .

[ ص: 203 ] وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن المشركين لما أرهقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الأنصار ورجل من قريش قال : من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة ؟ فجاء رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم رهقوه أيضا ، فقال : من يردهم عنا وله الجنة ؟ - أو هو رفيقي في الجنة ؟ - فتقدم رجل من الأنصار فقاتل ، حتى قتل السبعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أنصفنا أصحابنا » .

وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال : رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد .

وروى الدارقطني في الإفراد ، والطبراني عن طلحة . والنسائي ، والطبراني ، والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم : أن طلحة أصابه سهم في أنامله فقال : حس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو قلت بسم الله لطارت بك الملائكة والناس ينظرون حتى تلج بك في جو السماء ، ولرأيت بناءك الذي بنى الله لك في الجنة وأنت في الدنيا » .

وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إن النساء يوم أحد كن خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين ، فلو حلفت يومئذ لرجوت أن أبر أنه ليس أحد منا يريد الدنيا ، حتى أنزل الله تعالى : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة [آل عمران 152 ] فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة : سبعة من الأنصار ، ورجلين من قريش ، وهو عاشرهم ، فلما رهقوه قال : رحم الله ردهم عنا فذكر نحو الحديث الذي قبله .

وقال ابن إسحاق : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم قال : «من رجل يشري لنا نفسه ؟ » فقام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار - وبعض الناس يقول : إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن - ، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا يقتلون دونه ، حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة ، فقاتل حتى أثبتته الجراحة ، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أدنوه مني » ، فأدنوه منه فوسده قدمه ، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه أربع عشرة جراحة .

وقاتل علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية ، وأبو دجانة من ناحية ، وسعد بن أبي وقاص من ناحية ، وانفرد علي بن أبي طالب بفرقة فيها عكرمة بن أبي جهل ، [ ص: 204 ] فدخل وسطهم بالسيف يضرب به وقد اشتملوا عليه ، حتى أفضى إلى آخرهم ، ثم كرهم ثانيا حتى رجع من حيث جاء . وكان الحباب بن المنذر يجوس المشركين كما تجاس الغنم ، ثم اشتملوا عليه حتى قيل قد قتل ، ثم برز والسيف في يده ، وافترقوا عنه . وأبلى أبو طلحة يومئذ بلاء شديدا .

وروى الشيخان ومحمد بن عمر الأسلمي ، عن أنس رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه بحجفته - وفي لفظ : يجوب عليه بحجفته - وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد الرمي - وفي لفظ : النزع - فنثر كنانته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يرمي بها ، وكسر يومئذ قوسين أو ثلاثة ، وكان الرجل يمر بالجعبة من النبل ، فيقول صلى الله عليه وسلم : «انثرها لأبي طلحة » ، ويشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم ، فيقول أبو طلحة : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم ، نحري دون نحرك !

التالي السابق


الخدمات العلمية