[ ص: 250 ] الرابع والعشرون : قال العلماء رضي الله عنهم : كان في قصة
أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة ، منها :
تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية ، وشؤم ارتكاب النهي ، لما وقع من ترك الرماة موقعهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منه .
ومنها : أن
عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة ، كما سيأتي في قصة هرقل مع
أبي سفيان ، وقوله له : هل قاتلتموه ؟ قال : نعم ، قال : كيف الحرب بينكم وبينه ؟ قال : سجال يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى . قال
هرقل : كذلك الرسل ، تبتلى ثم تكون لهم العاقبة ، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم ، ولم يتميز الصادق من غيره ، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على عدوهم يوم بدر ، وطار لهم الصيت دخل معهم ظاهرا في الإسلام من ليس معهم فيه باطنا ، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من بعثة الرسل ، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين ليتميز الصادق من الكاذب ، وذلك أن نفاق جماعة ممن يدعي الإيمان كان مخفيا عن المسلمين ، فلما جرت هذه القصة ، وأظهر أهل النفاق ما أظهروا من الفعل والقول ، عاد التلويح تصريحا ، وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم .
ومنها : أن في
تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها ، فلما ابتلي المؤمنون صبروا ، وجزع المنافقون .
ومنها : أن الله تعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم ، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ، ليصلوا إليها .
ومنها : أن
الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها الله تعالى إليهم .
ومنها : أنه تعالى إذا أراد إهلاك أعدائه قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك ، من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين ، ومحق به الكافرين .
ومنها : أن
الأنبياء صلى الله عليهم وسلم إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام ، تعظيما لأجرهم ، تأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره ، والعاقبة للمتقين .
الخامس والعشرون : في
فضل شهداء أحد : عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651167لما أصيب أبي يوم أحد جيء به مسجى وقد مثل به ، وفي رواية : جيء به مجزعا فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي ، وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا ينهاني ، وجعلت فاطمة بنت عمرة تبكيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا [ ص: 251 ] تبكيه ، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع » . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وعنه أيضا
nindex.php?page=hadith&LINKID=676699أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=36لجابر : «ألا أبشرك بما لقي الله تعالى به أباك » ، قلت : بلى ، قال : «ما كلم الله تعالى أحدا قط إلا من وراء حجاب ، وأنه أحيى أباك فكلمه كفاحا » وقال : «عبدي تمن علي أعطك » ، قال : يا رب تحييني فأقاتل فيك ثانية . قال الرب سبحانه وتعالى : (قد سبق مني أنهم لا يرجعون ) . قال : «أي رب فأبلغ من ورائي » ، فنزلت ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا [آل عمران 169 ] الآية ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وحسنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجة nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة في صحيحه ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665306قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر : «ألا أبشرك ؟ » قال : بلى ، قال : «شعرت أن الله تبارك وتعالى أحيى أباك فأقعده بين يديه ، وقال : تمن علي ما شئت أعطك ، قال : يا رب ما عبدتك حق عبادتك ، أتمنى أن تردني إلى الدنيا ، فأقتل بين يدي نبيك مرة أخرى . قال : سبق مني أنك إليها لا ترجع » .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر من طريق
طلحة بن نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=683112لما قتل nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة وأصحابه يوم أحد قالوا : يا ليت لنا مخبرا يخبر إخواننا بالذي صرنا إليه من كرامة الله تعالى لنا ، فأوحى إليهم ربهم تبارك وتعالى : أنا رسولكم إلى إخوانكم ، فأنزل الله عز وجل : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا إلى قوله : لا يضيع أجر المؤمنين .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=674081قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مشربهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى لنا ، وفي لفظ : قالوا : من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق ، لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا على الحرب . فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى هؤلاء الآيات : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا إلى آخر الآيات » ، رواه مسلم
nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق في المصنف
nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد ومسلم
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر عن
[ ص: 252 ] nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=660508سألنا عبد الله ، يعني nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، عن هذه الآيات فقال : إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «أرواحهم في جوف طير خضر » ، وفي لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق :
nindex.php?page=hadith&LINKID=660508«أرواح الشهداء عند الله كطير خضر ، لها قناديل من ذهب ، معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا ربنا ، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل في سبيلك مرة أخرى ، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا » .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
أبي عبيدة ، عن
عبد الله :
أنه قال الثالثة حين قال لهم : «ما تشتهون من شيء ؟ قالوا : تقري نبينا السلام ، وتبلغه أنا قد رضينا وارض عنا » .
وروى هذا
ابن السري nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=885939«إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترعى في رياض الجنة ، ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش » ، فذكر نحو ما سبق .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=706758«أرواح الشهداء تجول في أجواف طير تعلق في ثمر الجنة » .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
أبي العالية في قوله :
بل أحياء قال : في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاءوا .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16670عمر بن شبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء فإذا أتى فرضة الشعب يقول : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، ثم كان nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ، وكذا عمر وعثمان .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طرق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
وابن سعد nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من طريق آخر عنه ،
ومحمد بن عمر عن شيوخه : قال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين ، فأتيناهم فأخرجناهم رطابا تتثنى أطرافهم . قال شيوخ
محمد بن عمر : وجدوا والد
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ويده على جرحه ، فأميطت يده عن جرحه ، فانبعث الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : فرأيت أبي في حفرته كأنه نائم ، والنمرة التي كفن فيها كما هي ، والحرض على رجليه على هيئته ، وبين ذلك ست وأربعون سنة ، وأصابت المسحاة رجلا
[ ص: 253 ] منهم . قال الشيوخ : وهو
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة ، فانبعث الدم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري : لا ينكر بعد هذا منكر ، ولقد كانوا يحفرون التراب ، فكلما حفروا نقرة من تراب فاح عليهم ريح المسك .
وروى
الحارث بن أبي أسامة في سنده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=695339أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أصحاب أحد يقول : «أما والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بفحص الجبل » ، يعني شهداء أحد .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم عن
عبد الله بن أبي فروة مرسلا :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد فقال : «اللهم إني عبدك ونبيك ، وأشهد أن هؤلاء شهداء ، وأنه من زارهم وسلم عليهم إلى يوم القيامة ردوا عليه » .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
هاشم بن محمد العمري من ولد
عمر بن علي بن أبي طالب قال : أخذني أبي
بالمدينة إلى زيارة قبور الشهداء ، في يوم جمعة بين الفجر والشمس ، فلما انتهى إلى المقابر رفع صوته فقال : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، فأجيب : وعليك السلام يا عبد الله ، فالتفت أبي إلي فقال : أنت المجيب ، فقلت : لا ، فجعلني عن يمينه ، ثم أعاد السلام ، فجعل كلما سلم يرد عليه ثلاث مرات ، فخر ساجدا شاكرا لله تعالى .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13564ابن منده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال :
أردت مالي بالغابة فأدركني الليل فأويت إلى قبر عبد الله بن حرام ، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : «ذاك عبد الله ألم تعلم أن الله تعالى قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت ، ثم علقها وسط الجنة ، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم ، فلا تزال كذلك ، حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت فيه ! » .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بسند صحيح عن
العطاف بن خالد قال : حدثتني خالتي أنها زارت قبور الشهداء ، قالت : وليس معي إلا غلامان يحفظان الدابة ، فسلمت عليهم ، فسمعت رد السلام ، قالوا : والله إنا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضا ، قالت : فاقشعر جلدي فقلت : يا غلام أدن البغلة فركبت .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=101283«الشهداء على بارق - نهر بباب الجنة - في قبة خضراء يخرج إليهم [ ص: 254 ] رزقهم من الجنة غدوة وعشية » .
والأحاديث والآثار في فضل شهداء أحد كثيرة ، وفيما ذكر كفاية .
السادس والعشرون : قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=101294«جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر » . قال
الحافظ أبو القاسم الخثعمي رحمه الله تعالى : أنكر قوم هذه الرواية ، وقالوا : لا تكون روحان في جسد واحد ، وأن ذلك محال . قال : وهذا جهل بالحقائق ، فإن معنى الكلام بين ، فإن روح الشهيد الذي كان في جوف جسده في الدنيا يجعل في جوف جسد آخر كأنه صورة طائر ، فيكون في هذا الجسد الآخر كما كان في الأول ، إلى أن يعيده الله تعالى يوم القيامة كما خلقه . وهذه الرواية لا تعارض ما رووه من قوله : في صور طير خضر ، والشهداء طير خضر ، وجميع الروايات كلها متفقة المعنى ، وإنما الذي يستحيل في العقل قيام حياتين بجوهر واحد ، فيجيء الجوهر بهما جميعا ، وأما روحان في جسد فليس بمحال إذا لم نقل بتداخل الأجسام ، فهذا الجنين في بطن أمه وروحه غير روحها ، وقد اشتمل عليهما جسد واحد ، وهذا لو قيل : إن الطائر له روح غير روح الشهيد ، وهما في جسد واحد ، فكيف ؟ وإنما قال في أجواف طير خضر ، أو في صورة طير ، كما تقول : رأيت ملكا في صورة إنسان ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=680774«إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة » . تأوله بعضهم مخصوصا بالشهيد . وقال بعضهم : إنما الشهيد في الجنة يأكل حيث شاء ، ثم يأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في العرش ، وغير الشهيد من المؤمنين ، ولكن الروح نفسه طائر يعلق بشجر الجنة ، ويعلق - بضم اللام - أي يتشبث بها ويرى مقعده منها ، ومن رواه يعلق - بفتح اللام - فمعناه يصيب منها العلقة ، أي ينال منها ما هو دون نيل الشهيد ، فضرب العلقة مثلا ، لأن من أصاب العلقة من الطعام فقد أصاب دون ما أصاب غيره ممن أدرك الرغد ، فهو مثل مضروب يفهم منه هذا المعنى ، وإن أراد بـ«يعلق » الأكل نفسه فهو مخصوص بالشهيد ، فتكون رواية الضم للشهداء ، ورواية الفتح لمن دونهم ، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وإنما تأوي إلى تلك القناديل ليلا وتسرح نهارا ، فيعلم بذلك الليل والنهار ، وبعد دخولهم الجنة لا تأوي إلى تلك القناديل . والله أعلم . وإنما ذلك مدة البرزخ . هذا ما يدل عليه ظاهر الحديث .
قال مجاهد :
الشهداء يأكلون من ثمر الجنة ، وليسوا فيها . وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد [ ص: 255 ] ورده ، وليس بمنكر عندي ، وقال الشيخ رحمه الله في شرح سنن أبي داود : إذا فسرنا الحديث بأن الروح تتشكل طائرا ، فالأشبه أن المقصود بذلك القدرة على الطيران فقط ، لا في صورة الخلقة ، لأن شكل الآدمي أفضل الأشكال ، قلت : وصرح بذلك
ابن برجان في الإرشاد . ويؤيده كلام
السهيلي الآتي في غزوة
مؤتة ، ويشهد له حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أي الذي ذكرته آخر التنبيه الذي قبل هذا . انتهى كلام أبي القاسم رحمه الله تعالى .
وقال
ابن كثير : كان الشهداء أقساما ، منهم من تسرح أرواحهم في الجنة ، ومنهم من يكون على هذا النهر ، أي بارق بباب الجنة ، كما سبق في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر - أي بارق - فيجتمعون هناك ويغدى عليهم برزقهم ويراح . وقال القاضي
ناصر الدين البيضاوي رحمه الله تعالى في شرح المصابيح : قوله : أرواحهم في أجواف طير خضر ، أي يخلق الله تعالى لأرواحهم ، بعد ما فارقت أجسادها ، هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم ، فيتوسلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللذات الحسية . واطلاع الله تعالى عليهم ، واستفهامه عما يشتهون مرة بعد أخرى مجاز عن تلطفه بهم ، وتضاعف تفضله وإنما قال : «اطلاعه » ، ليدل على أنه ليس من جنس اطلاعنا على الأشياء ، وعداه بإلى ، وحقه أن يعدى بعلى ، لتضمنه معنى الانتهاء ، والمراد بقوله : «فلما رأوا أنهم لن يتركوا إلخ » أنه لا يبقى لهم متمنى ولا مطلوب أصلا ، غير أن يرجعوا إلى الدنيا فيستشهدوا ثانيا ، لما رأوا بسببه من الشرف والكرامة .
وأول بعضهم رواية في جوف طير خضر بأن جعل «في » بمعنى «على » ، والمعنى أرواحهم على جوف خضر كقوله تعالى :
ولأصلبنكم في جذوع النخل [طه 71 ] أي على جذوع النخل ، وجائز أن يسمى الطير جوفا ، إذ هو محيط به ومشتمل عليه . قاله
عبد الحق . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : وهو حسن جدا . وقال غيره : لا مانع من أن تكون في الأجواف حقيقة ، ويوسعها الله تعالى حتى تكون أوسع من الفضاء .
وقال القاضي
عياض رحمه الله : ليس للأقيسة والعقول في هذا حكم ، فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يجعل الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو جوف طير ، أو حيث شاء كان ذلك وقع ولم يبعد ، لا سيما القول بأن الأرواح أجسام ، فغير مستحيل أن يتصور جزء من الإنسان طائرا ، أو يجعل في جوف طير في قناديل تحت العرش ، وقد تعلق بهذا الحديث وأمثاله بعض القائلين بالتناسخ ،
وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرهفة ، وتعذيبها في الصور القبيحة . وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب ، وهذا باطل مردود ، لإبطاله ما جاءت به الشرائع من إثبات الحشر والنشر والجنة والنار ، ولهذا قال في حديث آخر :
«فيرجعه الله تعالى إلى جسده يوم بعثه الأجساد » .