ذكر إرسال
عبد الله بن أبي إليهم بعد الخروج من أرضهم
فبينما هم على ذلك إذ
جاءهم رسولا عبد الله بن أبي ابن سلول : سويد ، وداعس ، فقالا : يقول
عبد الله بن أبي : لا تخرجوا من دياركم وأموالكم ، وأقيموا في حصونكم ، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب ، يدخلون معكم حصنكم ، فيموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم ، وتمدكم قريظة ، فإنهم لن يخذلوكم ، ويمدكم حلفاؤكم من غطفان . وأرسل
ابن أبي إلى
كعب بن أسد القرظي يكلمه أن يمد أصحابه ، فقال : لا ينقض رجل واحد منا العهد .
فيئس
ابن أبي من
بني قريظة ، وأراد أن يلحم الأمر فيما بين
بني النضير ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يرسل إلى حيي بن أخطب ، فقال حيي : أنا أرسل إلى
محمد أعلمه أنا لا نخرج من دارنا وأموالنا ، فليصنع ما بدا له . وطمع حيي فيما قال ابن أبي .
فقال له
سلام بن مشكم : «منتك نفسك والله- يا حيي الباطل ، ولولا أن يسفه رأيك لاعتزلتك بمن أطاعني من يهود ، فلا تفعل يا حيي ، فوالله إنك لتعلم- ونعلم معك- أنه لرسول الله ، وأن صفته عندنا ، وأنا لم نتبعه وحسدناه ، حيث خرجت النبوة من
بني هارون ، فتعال فلنقبل ما أعطانا من الأمن ونخرج من بلاده ، وقد عرفت أنك خالفتني في الغدر به ، فإذا كان أوان الثمر ، جئنا أو جاء أحد منا إلى ثمره فباع أو صنع ما بدا له ، ثم انصرف إلينا ، فكأنا لا
[ ص: 321 ]
نخرج من بلادنا إذا كانت أموالنا بأيدينا إنا إنما شرفنا على قومنا بأموالنا وفعالنا ، فإذا ذهبت أموالنا من أيدينا كنا كغيرنا من اليهود في الذلة والإعدام وإن محمدا إن سار إلينا فحاصرنا في هذه الصياصي يوما واحدا ، ثم عرضنا عليه ما أرسل به إلينا لم يقبله ، وأبى علينا» .
قال
حيي بن أخطب : «إن محمدا لا يحصرنا إلا إن أصاب منا نهزة ، وإلا انصرف ، وقد وعدني ابن أبي ما قد رأيت» .
قال
سلام : «ليس قول ابن أبي بشيء ، إنما يريد ابن أبي أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدا ، ثم يجلس في بيته ويتركك ، قد أراد من
كعب بن أسد النصر وأبى كعب ، وقال : لا ينقض هذا العهد رجل من بني قريظة وأنا حي ، وإلا فابن أبي قد وعد حلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد ، وحصروا أنفسهم في صياصيهم ، وانتظروا نصر ابن أبي ، فجلس في بيته ، وسار إليهم محمد فحصرهم ، حتى نزلوا على حكمه ، فابن أبي لا ينصر حلفاءه ، ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الأوس في حروبهم كلها ، إلى أن انقطعت حروبهم ، وقدم محمد فحجز بينهم . وابن أبي لا هو على دين يهود ، ولا هو على دين محمد ، ولا هو على دين قومه ، فكيف تقبل منه قوله ؟ قال حيي : «تأبى نفسي إلا عداوة محمد وإلا قتاله» . قال سلام : «فهو والله جلاؤنا من أرضنا ، وذهاب أموالنا وشرفنا ، وسبي ذرارينا ، مع قتل مقاتلتنا» فأبى حيي إلا محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال له ساموك- بالكاف-
ابن أبي الحقيق- بحاء مهملة مضمومة فقاف مفتوحة فتحتية ساكنة ثم قاف أخرى- وكان ساموك ضعيفا عندهم في عقله ، كانت به جنة : «يا حيي أنت رجل مشؤوم ، تهلك
بني النضير » ، فغضب حيي وقال : كل
بني النضير قد كلمني حتى هذا المجنون ، فضربه إخوته ، وقالوا لحيي : أمرنا لأمرك تبع ، لن نخالفك .
فأرسل حيي أخاه
جدي- بضم الجيم وفتح الدال المهملة وتشديد التحتية- ابن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : إنا لا نبرح من ديارنا وأموالنا ، فاصنع ما أنت صانع . وأمره أن يأتي
ابن أبي فيخبره برسالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويأمره أن يتعجل ما وعد من النصر .
فذهب
جدي بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أرسله حيي ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه فأخبره ، فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير ، وكبر المسلمون لتكبيره ، وقال : حاربت يهود .
وخرج جدي حتى دخل على ابن أبي وهو جالس في بيته ، ومعه نفر من حلفائه ، وقد نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالمسير إلى
بني النضير ، فدخل
عبد الله بن عبد الله بن [ ص: 322 ] أبي على أبيه وعلى النفر الذين معه ، وعنده
جدي بن أخطب ، فلبس درعه ، وأخذ سيفه وخرج يعدو .
قال جدي : لما رأيت ابن أبي جالسا في ناحية البيت ، وابنه عليه السلاح ، يئست منه ومن نصره ، فخرجت أعدو إلى حيي ، فقال : ما وراءك ؟ قال : فقلت الشر ، ساعة أخبرت
محمدا بما أرسلت به إليه أظهر التكبير وقال : حاربت يهود ، قال : وجئت ابن أبي فأخبرته ، ونادى منادي محمد بالمسير إلى
بني النضير ، فقال حيي : وما رد عليك ابن أبي ؟ قال جدي : لم أر عنده خيرا ، قال : أنا أرسل إلى حلفائي من
غطفان . فيدخلون معكم .