ذكر
اعتراف كعب بن أسد كبير بني قريظة وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما عاد
نباش إلى قومه ، وأخبرهم الخبر ، قال
كعب بن أسد : يا معشر
بني قريظة ، والله قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا ما شئتم منها ، قالوا : وما هي ؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدقه . فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل ، وأنه الذي تجدونه في
[ ص: 7 ]
كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم ونسائكم ، والله إنكم لتعلمون أن
محمدا نبي ، وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب حيث لم يكن نبيا من
بني إسرائيل ، فهو حيث جعله الله ، ولقد كنت كارها لنقض العهد والعقد ولكن البلاء والشؤم من هذا الجالس - يعني
حيي بن أخطب - ولقد كان
حيي بن أخطب دخل معهم في حصنهم حين رجعت عنهم
قريش وغطفان ، وفاء
لكعب بن أسد ، بما كان عاهده عليه - أتذكرون ما قال لكم
ابن جواس حين قدم عليكم : تركت الخمر والخمير والتمير ، وأجئت إلى السقاء والتمر والشعير ، قالوا : وما ذاك ؟ قال : إنه يخرج بهذه القرية نبي ، فإن يخرج وأنا حي أتبعه وأنصره ، وإن خرج بعدي ، فإياكم أن تخدعوا عنه ، واتبعوه ، فكونوا أنصاره وأولياءه ، وقد آمنتم بالكتابين ، كليهما الأول والآخر ، وأقرئوه مني السلام ، وأخبروه أني مصدق به . قال
كعب : فتعالوا فلنتابعه ونصدقه ، فقالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ، قال : فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثم نخرج إلى
محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف ولم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين
محمد ، فإن نهلك نهلك ، ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه ، إن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء . قالوا : أنقتل هؤلاء المساكين ؟ ! فما خير العيش بعدهم ؟
قال : فإن أبيتم علي هذه فإن الليلة ليلة السبت ، وأنه عسى وأن يكون
محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا ، لعلنا نصيب من
محمد وأصحابه غرة ، قالوا : نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ! فقال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما ، فقال
ثعلبة وأسيد ابنا
سعية ، وأسد بن عبيد ابن عمهم ، وهم نفر من
هذيل ليسوا من
بني قريظة ، ولا
النضير ، نسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم : يا معشر
بني قريظة ، والله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأن صفته عندنا ، وحدثنا بها علماؤنا وعلماء
بني النضير ، هذا أولهم : يعني
حيي بن أخطب مع
جبير بن الهيبان - أنه أصدق الناس عندنا ، هو خبرنا بصفته عند موته . قالوا : لا نفارق التوراة . فلما رأى هؤلاء النفر إباءهم نزلوا تلك الليلة التي في صبحها نزلت
بنو قريظة فأسلموا وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم .
وقال
عمرو بن سعدى : يا معشر
يهود ، إنكم قد حالفتم
محمدا على ما حالفتموه عليه ، فنقضتم عهده الذي كان بينكم وبينه ، فلم أدخل فيه ، ولم أشرككم في غدركم ، فإن أبيتم أن تدخلوا معه فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فو الله ما أدري يقبلها أم لا ، قالوا : فنحن لا نقر للعرب بخرج في رقابنا يأخذونه ، القتل خير من ذلك ، قال : فإني بريء منكم . وخرج في تلك الليلة مع ابني
سعية ، فمر بحرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليهم
محمد بن مسلمة ، فقال
محمد :
من هذا ؟ قال :
عمرو بن سعدى ، قال
محمد : مر اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام ، وخلى
[ ص: 8 ]
سبيله ، وخرج حتى أتى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبات به حتى أصبح فلما أصبح غدا فلم يدر أنى هو حتى الساعة فذكر شأنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فقال :
«ذاك رجل نجاه الله بوفائه» .