سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : قريظة بضم القاف وفتح الراء وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة فتاء تأنيث ، قال السمعاني هو اسم رجل نزل أولاده قلعة حصينة بقرب المدينة فنسبت إليهم .

وقريظة والنضير أخوان من أولاد هارون - عليه الصلاة والسلام .

الثاني :

روى البخاري في جميع الروايات عن شيخه عبد الله بن محمد بن أسماء قال : حدثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله [ ص: 19 ] - صلى الله عليه وسلم : «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة » . إلخ . ووافق البخاري على لفظ العصر من طريق جويرية الإسماعيلي ، وأبو نعيم من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية وأصحاب المغازي . ورواه الطبراني ، والبيهقي في الدلائل بإسناد صحيح إلى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمه عبيد الله بن كعب . ورواه الطبراني أيضا من هذا الوجه موصولا بذكر كعب بن مالك والبيهقي عن عائشة - رضي الله عنها - ورواه مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء بسنده وقال : «لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة » . ووافقه ابن سعد ، وأبو يعلى ، وابن حبان ، وأبو نعيم من غير طريق أبي حفص السابق ،

قال الحافظ : ولم أره عن جويرية - من غير طريق أبي حفص السلمي إلا بلفظ الظهر ، وجمع بينهما باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر ، وبعضهم لم يصلها . فقيل لمن لم يصلها ، لا يصلين أحد الظهر ، ولمن صلاها لا يصلين أحد العصر . أو أن طائفة منهم راحت بعد طائفة ، فقيل للطائفة الأولى الظهر ، والتي بعدها العصر .

قال الحافظ : وهو جمع لا بأس به ، لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث ، لأنه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه ، فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده حدث به .

على الوجهين إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته ، وسبق الكلام على ذلك ، ثم قال : هذا كله من حيث حديث ابن عمر ، أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال «الظهر» لطائفة متجه فيحتمل أن رواية «الظهر» هي التي سمعها ابن عمر ، ورواية «العصر» هي التي سمعها كعب بن مالك ، وعائشة - رضي الله عنهما - وقيل في وجه الجمع أيضا

أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل القوة ، أو لمن كان منزله قريبا «لا يصلين أحد الظهر»

وقال لغيرهم : «لا يصلين أحد العصر» .

الثالث : أغرب ابن التين فادعى أن الذين صلوا «العصر» صلوا على ظهور دوابهم ، واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول . قال : فأما الذين لم يصلوها عملوا بالدليل الخاص وهو الأمر بالإسراع فتركوا عموم إيقاع «العصر» في وقتها إلى أن فات ، والذين صلوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الإسراع فصلوا ركبانا ، لأنهم لو صلوا نزولا لكان مضادا لما أمروا به من الإسراع ، ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم قال الحافظ : وفيه نظر ، لأنه لم يأمرهم بترك النزول ، فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة المبالغة في الأمر بالإسراع ، فبادروا إلى امتثال أمره وخصوا وقت [ ص: 20 ] الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد أمرها فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا ، ولا يكون في ذلك مضادة لما أمروا به . ودعوى أنهم صلوا ركبانا يحتاج إلى دليل ، ولم أره صريحا في شيء من طرق هذه القصة .

الرابع : يستفاد من حديث ابن عمر ، وكعب بن مالك ، وعائشة ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد ، فيؤخذ منه عدم تأثيمه ، وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته ، ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحا للنهي الثاني على الأول ، وهو ترك تأخير الصلاة على وقتها واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب ، ولا سيما الزمان زمان التشريع ، والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة : وقال في «زاد المعاد» ما حاصله : كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضيلتين : امتثال الأمر في الإسراع ، وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت ولا سيما في هذه القصة بعينها من الحث على المحافظة عليها ، وأن من فاتته حبط عمله ، وإنما لم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر ، ولأنهم اجتهدوا فأخروا امتثالا للأمر ، لكنهم لم يصلوا إلى أن يكونوا في أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى .

الخامس : قال السهيلي : قوله «من فوق سبع سماوات» معناه أن الحكم نزل من فوق .

قال : ومثله قول زينب بنت جحش ، رضي الله عنها - : زوجني الله تعالى من نبيه من فوق سبع سماوات ، أي أنزل تزويجها من فوق ، قال : ولا يستحيل وصفه - تعالى - بالفوق ، على المعنى الذي يليق بجلاله لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه .

السادس : اختلف في مدة الحصار فقال ابن عقبة : بضع عشرة ليلة ، وقال ابن سعد :

خمس عشرة ليلة ، وروى ابن سعد عن علقمة بن وقاص خمسا وعشرين ليلة : ورواه ابن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب ، ورواه الإمام أحمد والطبراني عن عائشة - رضي الله عنها .

السابع : اختلف في عدد من قتل من بني قريظة : فعند ابن إسحاق : أنهم كانوا ستمائة ، وبه جزم أبو عمر في ترجمة سعد بن معاذ ، وعند ابن عائذ من مرسل قتادة : كانوا سبعمائة .

وقال السهيلي : المكثر يقول : إنهم ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة ، وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل ، فيحتمل في طريق الجمع ، أن يقال إن الباقين كانوا أتباعا ، وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل : إنهم كانوا تسعمائة .

الثامن : في شرح غريب القصة .

«رجل رأسه» بفتح الراء والجيم المشددة : سرحه .

المجمرة - بكسر الميم الأولى : المبخرة . [ ص: 21 ]

عذيرك - بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة وسكون التحتية وفتح الراء أي هات من يعذرك ، فعيل بمعنى فاعل .

دحية - بكسر الدال المهملة وفتحها : وهو الريش .

إثره - بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة ويجوز فتحها ، وحكى تثليث الهمزة .

الاعتجار بالعمامة : هو أن يلفها على الرأس ، ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه .

أرى - بضم الهمزة : أظن .

الرحالة - بكسر الراء وتخفيف الحاء المهملة : سرج من جلود ليس فيه خشب ، كانوا يتخذونه للركض الشديد ، والجمع الرحائل .

اللأمة - بالهمزة : الدرع ، وقيل : السلاح . ولأمة الحرب آلته ، وقد يترك الهمز للتخفيف .

الإستبرق : ضرب من الديباج غليظ .

الديباج : فارسي معرب ، وقد تكسر الدال وقد تفتح .

القطيفة : كساء له خمل الماجشون - بكسر الجيم وضم الشين المعجمة : ومعناه الورد .

الثنايا - جمع ثنية : وهي الثنى .

حمراء الأسد : تقدمت في غزوتها .

الجهد : المشقة والتعب .

الصفا - بالقصر : الحجارة ، ويقال : الحجارة الملس .

لأضعضعنها : لأحركنها وأزلزلنها .

ساطعا : مرتفعا .

الزقاق - بضم الزاي وتخفيف القاف وبعد الألف قاف أخرى .

بني غنم - بغين معجمة مفتوحة وسكون النون : بطن من الخزرج من ولد غنم بن مالك بن النجار .

كأني أنظر إلى الغبار : أي أنه مستحضر القصة حتى كأنه ينظر إليها مشخصة له بعد تلك المدة الطويلة .

موكب جبريل - بتثليث الباء ، الفتح بتقدير انظر ، والجر بدل من الغبار ، والضم خبر [ ص: 22 ]

مبتدأ محذوف تقديره هذا موكب جبريل . والموكب : نوع من السير ، وجماعة الفرسان أو جماعة يسيرون وكان السير برفق .

يا خيل الله اركبي» فيه حذف مضاف تقديره : يا فرسان خيل الله اركبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية