صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

599 - عبد الرحمن بن أبي عمار العابد نزيل مكة :

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ، قال: أخبرنا علي بن محمد العلاف ، قال:

أخبرنا عبد الملك بن بشران ، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، قال: أخبرنا محمد بن جعفر الخرائطي ، قال: حدثنا أبو يوسف الزهري ، قال: حدثنا الزبير بن بكار ، قال:

كان عبد الرحمن بن أبي عمار من بني جشم ينزل بمكة ، وكان من عباد أهلها ، فسمي القس من عبادته ، فمر ذات يوم بسلامة وهي تغني ، فوقف فسمع غناها فرآه مولاها ، فدعاه إلى أن يدخله عليها ، فأبى ذلك فقال له: فاقعد في مكان تسمع غناها ولا تراها ، ففعل فغنت فأعجبته ، فقال له مولاها: هل لك أن أحولها إليك ، فامتنع بعض الامتناع ثم أجابه إلى ذلك ، فنظر إليها فأعجبته فشغف بها وشغفت به ، وكان طريفا فقال فيها:


أم سلام لو وجدت من الوجد غير الذي بكم أنا لاقي     أم سلام أنت همي وشغلي
والعزيز المهيمن الخلاق     أم سلام ما ذكرتك إلا
شرقت بالدموع مني المآقي

قال: وعلم بذلك أهل مكة فسموها سلام القس ، فقالت له يوما: أنا والله أحبك ، [ ص: 133 ] فقال: وأنا والله أحبك ، فقالت له: أنا والله أحب أن تضع فمك على فمي ، قال: وأنا والله أحب ذلك ، قالت: فما يمنعك فو الله إن الموضع لخال ، فقال لها: ويحك إني سمعت الله تعالى يقول: ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وأنا والله أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك في الدنيا عداوة يوم القيامة ، ثم نهض وعيناه تذرفان من حبها ، وعاد إلى الطريقة التي كان عليها من النسك والعبادة ، فكان يمر بين الأيام ببابها فيرسل السلام ، فيقال له: ادخل فيأبى .

ومما قال فيها:


إن سلامة التي أفقدتني تجلدي     لو تراها والعود في حجرها حين تنشد
الشريحبي والغريض وللقوم معبد     خلتهم تحت عودها حين تدعره باليد

وفي رواية أخرى أنه لما قال لها: أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك عداوة يوم القيامة ، قالت: أتحسب أن ربنا لا يقبلنا إن نحن تبنا إليه؟ قال: بلى ولكن لا آمن أن أفاجأ ، ثم نهض يبكي فلم يرجع بعد ، وعاد إلى ما كان فيه من النسك .

وروى مصعب الزبيري ، عن محمد بن عبد الله بن أبي مليكة ، عن أبيه ، عن جده ، قال:

دخل عبد الرحمن بن أبي عمار وهو يومئذ فقيه أهل الحجاز على نخاس فعلق فتاة فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه ، فكان جوابه:


يلومني فيك أقوام أجالسهم     فما أبالي أطار اللوم أو وقعا

فانتهى الخبر إلى عبد الله بن جعفر ، فلم تكن له همة غيره ، فحج فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألفا ، وأمر قيمة جواريه أن تزينها وتحليها ، ففعلت ، وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه ، فقال: ما لي لا أرى ابن أبي عمار زارنا ، فأخبر الشيخ فأتاه ، فلما أراد أن ينهض استجلسه فقعد ، فقال له ابن جعفر: ما فعل حب فلانة ، [ ص: 134 ] فقال: سيط به لحمي ودمي وعصبي ومخي وعظامي ، قال: تعرفها إن رأيتها؟ قال:

وأعرف غيرها ، قال: فإني قد اشتريتها ، وو الله ما نظرت إليها ، وأمر بها فأخرجت فزفت بالحلي والحلل ، فقال: أهذه هي؟ فقال: نعم بأبي وأمي ، قال: فخذ بيدها فقد جعلها الله لك ، أرضيت؟ قال: أي والله بأبي وأمي وفوق الرضا ، فقال له ابن جعفر: ولكني والله لا أرضى أن أعطيكها صفرا ، احمل معه يا غلام مائة ألف درهم كيلا يهتم بمئونتها ، قال: فراح بها وبالمال . [ ص: 135 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية