باب ذكر
خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك
كان يكنى
أبا خالد ، وأمه أم ولد ، وهي بنت
فيروز بن يزدجرد . وكان أسمر طويلا ، صغير الرأس ، بوجهه خال ، وكان جماعة قد بايعوه قبل قتل
الوليد ، فلما قتل اجتمعوا عليه فنقص من أعطيات الناس ما كان زادهم
الوليد ، وردهم إلى أعطيات
هشام ، فسموه الناقص . وأول من سماه بهذا الاسم
مروان بن محمد .
وقيل: بل سمي بذلك لنقصان كان في أصابع رجليه ، وهو أول خليفة كانت أمه أمة ، وكانت
بنو أمية تتجنب ذلك توطيدا للخلافة؛ ولأنهم سقط إليهم أن ملكهم يزول على يد خليفة منهم أمه أمة ، فكان ذلك
مروان بن محمد ، وسيأتي ذكره بعد خلافة
يزيد هذا .
ثم إن
يزيد خطب الناس بعد قتل
الوليد ، وقال: إني والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا ، ولا رغبة في الملك ، ولكن خرجت غضبا لله ولرسوله ولدينه ، وداعيا إلى كتابه وسنة نبيه ، لما هدم
الوليد معالم الهدى ، وأطفأ نور أهل التقى ، وكان جبارا مستحلا للحرم مع أنه ما كان يصدق بالكتاب ، ولا يؤمن بيوم الحساب ، فسألت الله تعالى فأراح منه العباد والبلاد ، أيها الناس إن لكم علي ألا أضع حجرا على حجر ، ولا لبنة على لبنة ، ولا أكري نهرا ، ولا أكثر مالا ، ولا أعطيه زوجة ولا ولدا ، ولا أنقله من بلد إلى بلد حتى أسد ثغرة ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم ، ولا أغلق بابي
[ ص: 251 ] دونكم ، وإن لكم أعطياتكم في كل سنة ، وأرزاقكم في كل شهر ، فإن أنا وفيت لكم بما لكم وبما قلت فعليكم بالسمع والطاعة ، وإن أنا لم أف لكم فلكم أن تخلعوني ، وإن علمتم أحدا ممن يعرف بالصلاح ، يعطيكم من نفسه مثلما أعطيتكم وأردتم أن تبايعوه فأنا أول من يبايعه . أيها الناس ، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ثم دعا الناس إلى تجديد البيعة له ، وأظهر النسك ، وقراءة القرآن ، وأخلاق
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، وأحسن السيرة ، فلما علم أهل البلاد بقتل
الوليد ثارت الفتن ، ووثب
سليمان بن هشام بن عبد الملك بعمان ، وكان محبوسا بها ، حبسه ابن عمه
الوليد ، فأخذ ما فيها من الأموال ، وأقبل إلى
دمشق .
ووثب أهل
حمص ، وغلقوا أبوابها ، وأقاموا النوائح على
الوليد ، وهدموا دار
العباس بن الوليد بن عبد الملك؛ لأنه أعان على
الوليد ، فكتبوا بينهم كتابا ألا يدخلوا في طاعة
يزيد ، وخرجوا عليه ، فبعث إليهم جيشا فانهزموا وقتل منهم ثلاثمائة .
ووثب أهل
فلسطين والأردن على عاملهم فأخرجوه .
ولما تم الأمر
ليزيد بن الوليد عزل
يوسف بن عمر عن
العراق وولاها
منصور بن جمهور ، فسار إلى
العراق ، فبلغ خبره
يوسف بن عمر فهرب إلى
البلقاء ، فقدم
منصور الحيرة في أيام خلت من رجب فأخذ بيوت الأموال ، وأخرج العطاء ، وولى العمال ، وبايع
ليزيد [بن الوليد] بالعراق وكورها ، وكتب بذلك ، وأطلق من في سجون
يوسف ، وبلغ خبر
يوسف إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17358يزيد بن الوليد ، فبعث من يأتيه به ، فجيء به في وثاق ، فأقام في الحبس ولاية
يزيد كلها وشهرين وعشرة أيام في ولاية
إبراهيم ، فلما قدم
مروان الشام وقرب من
دمشق ولى قتله
يزيد بن خالد ، فبعث مولى له فضرب عنق
يوسف . [ ص: 252 ]
وفيها: امتنع
نصر بن سيار بخراسان من تسليم عمله لعامل
يزيد منصور بن جمهور ، وكان
يزيد قد ولاها
منصور مع
العراق .
وقد ذكرنا أن
يوسف بن عمر كتب إلى
نصر بالمصير إليه مع الهدايا
للوليد بن يزيد ، فشخص
نصر من
خراسان إلى
العراق ، وتباطأ في سفره حتى قتل
الوليد ، فجاءه من أخبره بأن
منصور بن جمهور قد أقبل أميرا على
العراق ، وأن
يوسف بن عمر قد هرب ، فرد
نصر تلك الهدايا ، وأعتق الرقيق ، وقسم تلك الآنية ، ووجه العمال ، وأمرهم بحسن السيرة ، ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه .
وفيها:
عزل nindex.php?page=showalam&ids=17358يزيد بن الوليد منصور بن جمهور عن العراق ، وولاها
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن مروان .
وفيها:
كتب يزيد إلى عامله عبد الله بن عمر بن عبد العزيز أن يرد على الحارث بن شريح ما كان أخذ من ماله وولده؛ لأنه خاف منه أن يقدم عليه
بالترك ، وطمع أن يناصحه ، وأرسل إليه من يرده من بلاد
الترك .
وفيها: وجه
إبراهيم بن محمد الإمام
بكير بن ماهان إلى
خراسان وبعث معه بالسيرة والوصية ، فقدم
مرو ، وجمع النقباء ومن بها من الدعاة ، فنعى إليهم الإمام
محمد بن علي ودعاهم إلى
إبراهيم ، ودفع إليهم كتاب
إبراهيم فقبلوه ، ودفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقات
الشيعة ، فقدم بها
بكير على
إبراهيم بن محمد .
وفيها:
أخذ nindex.php?page=showalam&ids=17358يزيد بن الوليد البيعة لأخيه nindex.php?page=showalam&ids=12368إبراهيم بن الوليد على الناس ، وجعله ولي عهده ، ولعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك من بعد
إبراهيم .
وكان سبب ذلك أن
يزيد مرض في ذي الحجة من سنة ست وعشرين ، فقيل له: بايع لأخيك
إبراهيم ولعبد العزيز من بعده ، ففعل .
وفيها:
عزل nindex.php?page=showalam&ids=17358يزيد بن الوليد يوسف بن محمد بن يوسف عن المدينة ، وولاها
[ ص: 253 ] عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان رضي الله عنه .
وفيها: أظهر
مروان بن محمد بن مروان الخلاف
ليزيد ، وانصرف من
أرمينية إلى
الجزيرة مظهرا أنه طالب بدم
nindex.php?page=showalam&ids=15501الوليد بن يزيد ، فلما صار
بحران وجمع جمعا كثيرا وتهيأ للمسير إلى
يزيد ، كاتبه
يزيد على أن يبايعه ويوليه ما كان
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ولى إياه من
الجزيرة وأرمينية والموصل وأذربيجان فبايع له
بحران .
وفي هذه السنة: حج بالناس
عمر بن عبد الله بن عبد الملك ، بعثه
nindex.php?page=showalam&ids=17358يزيد بن الوليد ، وخرج معه
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، وهو على
المدينة ومكة والطائف والعراق . وكان على قضاء
الكوفة nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، وعلى قضاء
البصرة عامر بن عبيدة ، وكان على
خراسان نصر بن سيار .
وفيها: مات
يزيد ، وكان
إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ، يكنى أبا إسحاق ، وأمه أم ولد بربرية اسمها
خشف ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=17358يزيد بن الوليد قد جدد البيعة
لإبراهيم قبل موته بثلاثة أيام غير أنه لم يتم له أمره ، فكان يسلم عليه جمعة بالخلافة وجمعة بالإمارة وجمعة لا يسلم عليه لا بالإمارة ولا بالخلافة ، فكان على ذلك حتى قدم
مروان بن محمد فخلصه ، وقتل
عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان الذي كان
يزيد عقد له البيعة من بعد
nindex.php?page=showalam&ids=12368إبراهيم بن الوليد .