باب
ذكر خلافة nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين
هو
محمد بن هارون . ويكنى : أبا موسى ، ويقال : أبا عبد الله . ولد
برصافة بغداد سنة إحدى وسبعين ومائة . أمه
أم جعفر ، واسمها : زبيدة بنت جعفر الأكبر بن المنصور .
وكان أبيض ، سبطا ، أنزع ، صغير العينين ، أقنى ، جميلا ، طويلا ، سمينا ، عظيم الكراديس ، بعيد ما بين المنكبين . سمع الحديث الكثير ، وأسند الحديث .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14986عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أخبرنا
أحمد بن علي بن ثابت قال :
أخبرني
الحسن بن أبي طالب ، حدثنا
أحمد بن محمد بن عمران ، أخبرنا
محمد بن يحيى ، حدثنا
المغيرة بن محمد المهلبي قال : رأيت عند
الحسين بن الضحاك جماعة من بني هاشم ، فسألوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين وأدبه ، فوصف أدبا كثيرا ، وقال : سمعته يقول :
حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15337المنصور ، عن أبيه ، عن
علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
"من مات محرما حشر ملبيا" .
ذكر بيعته توفي
nindex.php?page=showalam&ids=14370الرشيد بطوس ، فبويع
nindex.php?page=showalam&ids=13739للأمين صبيحة الليلة التي مات فيها
nindex.php?page=showalam&ids=14370الرشيد ، تولى ذلك
صالح بن الرشيد ، وذلك يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة ، وكتب
حمويه مولى المهدي صاحب البريد من
طوس إلى
[ ص: 219 ] سلام مولاه ، وخليفته على البريد ليعلمه بوفاة
nindex.php?page=showalam&ids=14370الرشيد ، فدخل على
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين فعزاه وهنأه بالخلافة .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين نازلا
ببغداد في الخلد ، فتحول إلى قصر
nindex.php?page=showalam&ids=15337المنصور بالمدينة ، وأمر الناس بالحضور ، فحضروا ، فصعد المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ونعى الرشيد إلى الناس ، وعزى نفسه والناس ، ووعدهم الخير وبسط الأمان للأسود والأبيض .
فبايعه جلة أهل بيته وخاصة مواليه وقواده ، ثم دخل ووكل ببيعته من بقي منهم
سليمان بن المنصور ، وأمر للجند
بمدينة السلام برزق سنتين ، واتخذ
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع وزيرا ، وابنه
العباس بن الفضل حاجبا ، وجعل
إسماعيل بن صبيح كاتبا ، وجعله على ديوان الرسائل والتوقيعات والخاتم . وجعل
عيسى بن علي بن ماهان على الشرطة ، وقيل :
عبد الله بن حازم .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13594ابن ناصر ، أنبأنا
أحمد بن خلف ، حدثنا
أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم ، حدثنا
أحمد بن كامل قال : حدثني
عبد الله بن إبراهيم النحوي ، حدثنا
أبو هفان ، حدثنا
أحمد بن يوسف قال : دخل
أبو نواس على
محمد الأمين فهنأه بالخلافة وعزاه
nindex.php?page=showalam&ids=14370بالرشيد في بيت ، فأنشأ يقول :
جرت جوار بالسعد والنحس فنحن في وحشة وفي أنس العين تبكي والسن ضاحكة
فنحن في مأتم وفي عرس يضحكها القائم الأمين ويبكيها
وفاة الرشيد بالأمس بدران : بدر أضحى ببغداد في
الخلد وبدر بطوس في الرمس
ثم قدم القادم بالبردة والقضيب والخاتم ، فوصل لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة ، وقدم عليه
حسين الخادم بالخزائن التي كانت مع
nindex.php?page=showalam&ids=14370الرشيد ، وقدمت
زبيدة من
الرافقة في آخر رجب بخزائن
nindex.php?page=showalam&ids=14370الرشيد ، فتلقاها
محمد بالأنبار ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين قد بعث من يأتيه بأخبار
nindex.php?page=showalam&ids=14370الرشيد في زمن علته كل يوم ، وأرسل
بدر بن المعتمر فكتب معه كتبا ، وجعلها في قوائم صناديق منقورة ، وألبسها جلودا لبقر ، وقال : لا يظهرن أمير المؤمنين ولا أحد ممن في عسكره على شيء من أمرك ، وما توجهت فيه ، ولا على ما معك ، ولو
[ ص: 220 ] قتلت حتى يموت أمير المؤمنين ، فإذا مات فادفع إلى كل إنسان منهم كتابه .
فلما قدم
بكر طوس بلغ
هارون قدومه ، فدعا به ، فقال : ما أقدمك ؟ قال : بعثني
محمد لأعلم خبرك وآتيه به . قال : فهل معك كتاب ؟ قال : لا فأمر بما معه ففتش ، فلم يصيبوا شيئا ، فهدده بالضرب ، فلم يقر بشيء ، فأمر به ، فحبس وقيد ، فلما كان في الليلة التي مات فيها
هارون أمر
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع أن يصير إلى محبس
بكر بن المعتمر ، فيقرره ، فإن أقر وإلا ضرب عنقه .
وصار إلى
هارون فغشي عليه غشية ظنوا أنها هي ، وارتفعت الصيحة ، فأرسل
بكر بن المعتمر برقعة منه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع يسأله أن لا يعجلوا في أمره ، ويعلمه أن معه أشياء يحتاجون إليها ، وكان
بكر محبوسا عند
حسين الخادم ، فلما توفي
nindex.php?page=showalam&ids=14370الرشيد دعاه
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع فسأله عما عنده فأنكر أن يكون عنده شيء وخشي على نفسه من أن يكون
هارون حيا ، حتى صح عنده موت
هارون ، فأخبره أن عنده كتبا من أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين ، وأنه لا يجوز له إخراجها وهو على حاله في قيوده ، فامتنع
حسين الخادم من إطلاقه حتى أطلقه
الفضل فأتاهم بالكتب التي عنده ، فكان في تلك الكتب :
كتاب من
محمد إلى
حسين الخادم بخطه ، يأمره بتخلية
بكر بن المعتمر وإطلاقه ، فدفعه إليه .
وكتاب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ، فاحتبس كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون لغيبته
بمصر ، وأرسلوا إلى
صالح بن الرشيد ، فأتاهم ، فدفعوا إليه كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين ، وكان في الكتاب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون :
إذا ورد عليك كتاب أخيك -
أعاذه الله من فقدك - فعز نفسك بما عزاك الله به ، واعلم
[ ص: 221 ] أن الله قد اختار لأمير المؤمنين أفضل الدارين ، وأجزل الحظين ، فقم في أمرك قيام ذي الحزم ، والناظر لأخيه وسلطانه ، وعامة المسلمين ، وإياك أن يغلب عليك الجزع ، فإنه يحبط الأجر ، ويعقب الوزر ، وصلوات الله على أمير المؤمنين حيا وميتا ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون وخذ البيعة على من قبلك من قوادك وجندك ، وخاصتك وعامتك ، لأخيك ثم لنفسك ، ثم
للقاسم ابن أمير المؤمنين ، على الشرط التي جعلها لك أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فإنك مقلد من ذلك ما قلدك الله وخليفته ، فاعلم من قبلك رأيي في صلاحهم ، وسد خلتهم ، والتوسعة عليهم ، فمن أنكرته عند بيعته ، أو اتهمته على طاعته ، فابعث إلي برأسه ، وإياك وإقالته ، فإن النار أولى به . واكتب إلى عمال ثغورك ، وأمراء أجنادك بما طرقك من المصيبة بأمير المؤمنين ، وأعلمهم أن الله لم يرض الدنيا ثوابا له حتى قبضه إلى رحمته وجنته ، مغبوطا محمودا . ومرهم أن يأخذوا البيعة على أجنادهم وخواصهم وعوامهم على مثل ما أمرتك به ، وأوعز إليهم في ضبط ثغورهم ، والقوة على عدوهم ، وأعلمهم أني متفقد أحوالهم ، ولام شعثهم ، وموسع عليهم ، واعمل فيما تأمر به لمن حضرك أو نأى عنك من أجنادك ، على حسب ما ترى وتشاهد ، فإن أخاك يعرف حسن اختيارك ، وصحة رأيك ، وبعد نظرك ، وهو يستحفظك الله ، ويسأله أن يشد بك عضده ، ويجمع بك أمره ، إنه لطيف لما يشاء .
وكتب
بكر بن المعتمر بين يدي بإملائي في شوال سنة اثنتين وتسعين ومائة .
وكتب إلى
صالح أخيه :
إذا ورد عليك كتابي هذا عند وقوع ما قد سبق من علم الله ، ونفذ من قضائه في خلفائه وأوليائه ، وجرت به سنته في الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين ، فقال تعالى :
كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون فاحمد الله على ما صار إليه
[ ص: 222 ] أمير المؤمنين من عظيم ثوابه ومرافقة أوليائه ، وصلى الله على أمير المؤمنين حيا وميتا ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وإياه نسأل أن يحسن الخلافة على أمة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقد كان لهم عصمة وكهفا ، وبهم رءوفا رحيما ، فشمر في أمرك ، وإياك أن تلقي بيديك ، فإن أخاك قد اختارك لما استنهضك له ، وهو متفقد مواقع فعلك ، فحقق ظنه ، ونسأل الله التوفيق . وخذ البيعة على من قبلك من ولد أمير المؤمنين ، فإن السعادة واليمن في الأخذ بعهده ، والمضي على منهاجه . وأعلم من قبلك من الخاصة والعامة رأيي في استصلاحهم ، ورد مظالمهم ، وتفقد حالاتهم ، وإدرار أرزاقهم وأعطياتهم ، فإن شغب شاغب ، أو نعر ناعر ، فاسط به سطوة تجعله نكالا ، واضمم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع ولد أمير المؤمنين وحرمه وأهله ، ومره بالمسير معهم فيمن معه من جنده ورابطته ، وصير إلى
عبد الله بن مالك أمر العسكر وأحداثه ، فإنه ثقة على ما يلي ، مقبول عند العامة ، ومره بالجد والتيقظ ، وتجديد الحرم ، وتقديم الحزم في أمره كله ، وأقر
حاتم بن هرثمة على ما هو عليه ، ومره بحراسة ما يحيط به من قصور أمير المؤمنين ، ومر الخدم بإحضار روابطهم ممن يسد بهم وبأجنادهم مواضع الخلل من عسكرك . والسلام .
ولما بلغ
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون الخبر نعى
nindex.php?page=showalam&ids=14370الرشيد على المنبر ، وشق ثوبه ونزل ، وأمر للناس بمال ، وبايع
لمحمد ولنفسه ، وأعطى الجند [رزق ] اثني عشر شهرا .
[ ص: 223 ]
ولما قرأ الذين وردت عليهم كتب
محمد بطوس من القواد والجند وأولاد
هارون ، تشاوروا في اللحاق
بمحمد ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع : لا أدع ملكا حاضرا لآخر ، ما ندري ما يكون من أمره . وأمر الناس بالرحيل ، ففعلوا ذلك محبة منهم للحوق بأهليهم ومنازلهم
ببغداد ، وتركوا العهود التي كانت أخذت عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=15128للمأمون ، فانتهى الخبر بذلك من أمرهم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون بمرو ، فجمع من معه من قواد أبيه ، منهم :
عبد الله بن مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=17335ويحيى بن معاذ ،
وشبيب بن حميد بن قحطبة ،
وذو الرئاستين [وهو ] عنده من أعظم [الناس ] قدرا ، وأخصهم به ، فأخبرهم وشاورهم ، فأشاروا عليه أن يلحقهم في ألفي فارس جريدة ، فيردهم ، فدخل عليه
ذو الرئاستين فقال : إن فعلت ما أشاروا عليك جعلت هؤلاء هدية إلى
محمد ، ولكن الرأي أن تكتب كتابا ، وتوجه إليهم رسولا ، فتذكرهم البيعة ، وتسألهم الوفاء ، وتحذرهم الحنث ، وما يلزمهم في ذلك في الدين والدنيا ، فتستبرئ ما عند القوم . فكتب كتابا ، ووجهه مع
سهل بن صاعد ، ونوفل الخادم ، فلحقاهم
بنيسابور قد رحلوا ثلاث مراحل .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع : إنما أنا رجل واحد منهم . وشد على
سهل عبد الرحمن ابن جبلة بالرمح ، وقال : قل لصاحبك : والله لو كنت حاضرا لوضعت الرمح في فيك ، هذا جوابي . ونال من
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ، فرجعا بالخبر .
فقيل
nindex.php?page=showalam&ids=15128للمأمون : أعداء قد استرحت [منهم ] ، فابعث إلى الفقهاء فادعهم إلى الحق والعمل به ، وإحياء السنة .
ففعل ، وحط عن
خراسان ربع الخراج ، ورد المظالم ، وأقام على ولايته ، وكاتب
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين بالتعظيم منهم ، وأهدى له هدايا كثيرة من فنون الطرف .
[ ص: 224 ]
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين فإنه تشاغل باللهو واللعب ، وبنى ميدانا حول
قصر المنصور للصوالجة ، وعمل خمس حراقات في دجلة على خلقة : الأسد ، والفيل ، والعقاب ، والفرس ، والحية . وأمر لبعض من أنشده بثلاثمائة ألف دينار ، وأوقر لشاعر أنشده ثلاثة أبغل دراهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14661الصولي : حدثني
أحمد بن يزيد المهلبي ، عن أبيه قال : لما ولي
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين الخلافة استبطأ الناس جلوسه ، وقالوا : تشاغل باللهو . فجلس ، وأمضى الأمور ، وقال :
أتراني لا أعرف الإصدار والإيراد ، ولكن شرب كأس ، وسم آس ، والاستلقاء من غير نعاس أحب إلي من مداراة الناس .
وفي هذه السنة : دخل
هرثمة حائط
سمرقند ، ولجأ
رافع إلى
المدينة الداخلة ، وراسل
رافع الترك فوافوه ، فصار
هرثمة هو
ورافع والترك ، ثم انصرف
هرثمة إلى الترك ، وضعف
رافع .
وفيها : قتل
نقفور ملك الروم في حرب برحان ، وكان ملكه سبع سنين ، وملك بعده ابنه
إستبراق - وكان مجروحا - شهرين ومات ، وملك
ميخائيل ختنه على أخته .
وأقر
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين أخاه
القاسم على ولايته التي ولاه
nindex.php?page=showalam&ids=14370الرشيد من عمل
الجزيرة وقنسرين والثغور ، ثم صرفه عن
الجزيرة في هذه السنة ، واستعمل عليها
خزيمة بن خازم .
وفي ذي القعدة : توفي
nindex.php?page=showalam&ids=13382إسماعيل بن علية ، وكان على المظالم ، فولى
nindex.php?page=showalam&ids=13739الأمين [ ص: 225 ] مكانه
محمد بن عبد الله الأنصاري على المظالم والقضاء
ببغداد .
وفيها : حج بالناس
داود بن عيسى بن موسى ، وكان والي
مكة .