ثم دخلت
سنة ست وتسعين ومائة
فمن الحوادث فيها :
أن
محمدا وجه إلى المأمون
أحمد بن مزيد في عشرين ألفا ،
وعبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين ألفا ، وأمرهما أن يدافعا
طاهرا عن حلوان ، وكان قد نزلها ، فنزل بخانقين ، فكان
طاهر يبعث العيون إلى عسكريهما ، فيأتونهم بالأراجيف ، ويحتال في وقوع الاختلاف بينهم حتى اختلفوا ، وانتقض أمرهم ، وقاتل بعضهم بعضا ، فرجعوا من خانقين من غير أن يلقوا طاهرا ، وأقام طاهر بحلوان ، فأتاه
هرثمة بن أعين بكتاب
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون والفضل بن سهل يأمرانه بتسليم ما حوى من المدن والكور إليه ، والتوجه إلى
الأهواز . فسلم ذلك إليه ومضى إلى
الأهواز وأقام
هرثمة بحلوان .
وفي هذه السنة : رفع
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون منزلة
nindex.php?page=showalam&ids=14915الفضل بن سهل وقدره ، وذلك أنه لما قتل
علي بن عيسى وعبد الرحمن بن جبلة وبشره
الفضل بذلك عقد له في رجب من هذه السنة على المشرق طولا وعرضا ، وجعل عمالته ثلاثة آلاف ألف درهم ، وسماه ذا الرئاستين ، وكان على سيفه مكتوب من جانب : رئاسة الحرب ، ومن جانب : رئاسة التدبير .
وفيها : ولى
محمد بن هارون بن عبد الملك بن صالح بن علي الشام ، وأمره بالخروج إليها ، وفرض له من رجالها جنودا يقال بهم
طاهرا وهرثمة ، فسار حتى بلغ
[ ص: 24 ] الرقة ، فأقام بها ، وأنفذ كتبه ورسله إلى رؤساء أجناد الشام ووجوه الجزيرة ، فقدموا عليه ، فأجازهم ، وخلع عليهم ، وحملهم ، ثم جرى بين الجند خصومات ، فاقتتلوا وتفرقوا .
وفي هذه السنة : خلع
محمد بن هارون ، وأخذت عليه البيعة
nindex.php?page=showalam&ids=15128للمأمون ببغداد ، وحبس في قصر
أبي جعفر مع
أم جعفر بنت جعفر بن المنصور .
وسبب ذلك : أن
nindex.php?page=showalam&ids=16489عبد الملك بن صالح لما جمع الناس ، ثم تفرقوا مات
بالرقة ، فرد الجند
الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان إلى
بغداد ، وكان ذلك في رجب ، فبعث إليه في الليل
محمد بن هارون ، فقال للرسول : والله ما أنا بمعبر ولا مسامر ولا مضحك ولا وليت له عملا ، فأي شيء يريد مني في هذه الساعة ؟ إذا أصبحت غدوت إليه إن شاء الله .
فأصبح
الحسين ، فوافى باب الجسر ، واجتمع إليه الناس ، فأمر بإغلاق الباب الذي يخرج منه إلى قصر عبيد الله بن علي ، وباب سوق يحيى ، وقال : إن خلافة الله لا تجوز بالبطر ، وإن
محمدا يريد أن يوتغ أديانكم ، وينكث بيعتكم ، وبالله إن طالت به مدة ليرجعن وبال ذلك عليكم ، فاقطعوا أثره قبل أن يقطع آثاركم ، فو الله ما ينصره منكم ناصر إلا خذل .
ثم أمر الناس بعبور الجسر ، فعبروا حتى صاروا إلى سكة باب
خراسان ، واجتمع أهل الأرباض مما يلي باب
الشام ، وتسرعت خيول من خيول
محمد إلى
الحسين ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم كشفهم الحسين ، فخلع
الحسين بن علي محمدا يوم الأحد لإحدى عشرة من رجب سنة ست وتسعين . وأخذ البيعة
لعبد الله المأمون من غد يوم الاثنين إلى الليل ، وغدا
العباس بن موسى بن عيسى الهاشمي إلى
محمد ، فوثب به ، ودخل عليه وأخرجه من قصر الخلد إلى قصر
أبي جعفر ، فحبسه هناك ، ثم وثب على
أم جعفر ، فأمرها بالخروج من قصرها إلى قصر أبي جعفر فأبت ، فقنعها بالسوط وسبها ، ثم
[ ص: 25 ] أدخلت المدينة مع ابنها ، فلما أصبح الناس من الغد طلبوا من
الحسين بن علي الأرزاق ، وهاج الناس بعضهم في بعض ، وقام
محمد بن أبي خالد بباب
الشام وقال :
والله ما أدري بأي سبب يتأمر
الحسين بن علي علينا ، ويتولى هذا الأمر دوننا ، وما هو بأكبرنا سنا ، ولا أكرمنا حسبا ، وإني أولكم أنقض عهده ، وأظهر التغير عليه ، فمن كان رأيه معي فليعتزل معي .
وقام أسد الحربي فقال : هذا يوم له ما بعده ، إنكم قد نمتم [وطال نومكم ] فقدم عليكم غيركم ، وقد ذهب أقوام بذكر خلع
محمد وأسره ، وأذهب بذكر فكه وإطلاقه .
وجاء شيخ كبير فقال : أقطع محمد أرزاقكم ؟ قالوا : لا . قال : فهل قصر بأحد من رؤسائكم ؟ قالوا : لا . قال : فما بالكم خذلتموه ! انهضوا إلى خليفتكم فادفعوا عنه .
فنهضوا فقاتلوا
الحسين بن علي وأصحابه قتالا شديدا ، وأسر
الحسين ودخل
أسد الحربي على
محمد ، فكسر قيوده ، وأقعده في مجلس الخلافة ، فنظر
محمد إلى قوم ليس عليهم لباس الجند ولا عليهم سلاح ، فأمرهم فأخذوا من السلاح الذي في الخزائن حاجتهم ، ووعدهم ومناهم ، وانتهب الغوغاء بذلك السبب سلاحا كثيرا ومتاعا ، وأتى
الحسين بن علي فلامه
محمد على خلافه ، وقال : ألم أقدم أباك على الناس ، وأوليه أعنة الخيل ، وأملأ يده بالأموال ! قال : بلى : قال : فبم استحققت منك أن تخلع طاعتي ، وتندب الناس إلى قتالي . قال : الثقة بعفو أمير المؤمنين وحسن الظن به . قال : فإن أمير المؤمنين قد فعل ذلك بك ، وولاك الطلب بثأر أبيك ، ومن قتل من أهل بيتك .
ثم دعا له بخلعة فخلعها عليه ، وولاه ما وراء بابه ، وحمله على مراكب ، وأمره
[ ص: 26 ] بالمسير إلى
حلوان ، فخرج فوقف على باب الجسر حتى إذا خف الناس قطع الجسر وهرب في نفر من مواليه ، فنادى
محمد في الناس فركبوا في طلبه ، فأدركوه .
فلما بصر بالخيل نزل فصلى ركعتين وتحرم ، ثم لقيهم فحمل عليهم حملات في كلها يهزمهم ويقتل فيهم . ثم إن فرسه عثر به فسقط ، وابتدره الناس فقتلوه وأخذوا رأسه . وذلك في نصف رجب في طريق النهرين ، وفي الليلة التي قتل فيها
الحسين بن علي هرب
nindex.php?page=showalam&ids=14912الفضل بن الربيع ، وجددت البيعة
لمحمد يوم الجمعة لست عشرة ليلة خلت من رجب .