صفحة جزء
[ ص: 117 ] ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1108 - أحمد بن أبي طيبة بن عيسى بن سليمان بن دينار الدارمي .

حدث عن مالك بن أنس ، وولاه المأمون قضاء جرجان ، ثم ولاه قضاء قومس ، فأقام بها يقضي حتى توفي في هذه السنة .

1109 - حسين بن علي [أبو عبد الله] الجعفي :

كان عالما عابدا ، قال أحمد بن حنبل : ما رأيت بالكوفة أفضل من حسين الجعفي كان يشبه بالرهبان .

أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال: أنبأنا عبد العزيز بن جعفر قال: أخبرنا أبو بكر الخلال قال: حدثني محمد بن عبيد الرحبي قال: سمعت أبا بكر بن سماعة يقول: كنا عند ابن أبي عمر العدني بمكة ، فسمعناه يقول: قدم علينا هارون قدمة إلى هذا المسجد ، فأخبرني الخادم الذي كان معه قال: كنت معه ومعه جعفر بن يحيى ، فخرجنا جميعا حتى صرنا إلى الثنية فقال لي: سل عن حسين بن علي الجعفي فلقيت رجلا ، فقلت له: حسين بن علي الجعفي ؟ فقال: هو ذا يطلع عليك راكبا حمارا وخلفه أسود يقود أحمالا له ، فإذا هو قد طلع ، فقلت: هو ذا يا أمير المؤمنين ، فلما حاذاه قام إليه ، فقبل يده أو قال رجله - فقال له جعفر : أتدري من المسلم عليك يا شيخ؟ هو أمير المؤمنين [هارون] فالتفت إليه حسين فقال له: أنت يا حسن الوجه مسئول عن هذا الخلق كلهم .

فقعد يبكي وأتانا آت ونحن عند ابن عيينة ، فقال لسفيان قدم [حسين بن علي]

[ ص: 118 ]

الجعفي
، فقام إليه يتلقاه وخرجنا معه ، فلما صار في الطريق إلى باب بني شيبة لقيه فضيل بن عياض فقال له: أين تريد يا أبا محمد ؟ فقال: قدم حسين الجعفي فأردت لقاءه ، فقال: أنا معك ، فخرجا يمشيان جميعا ونحن خلفهما ، فلما صرنا في أصحاب اللؤلؤ إذا حسين راكب حمارا ، فتقدم إليه فضيل فقبل رجله ، وتقدم سفيان فقبل يده أو قبل سفيان رجله وفضيل يده ، فقال له فضيل : بأبي رجل تعلمت القرآن على يديه أو علمني الله القرآن على يديه . ثم دخل المسجد فطاف بالكعبة ، وجاء إلى الأسطوانة الحمراء فقعد عندها ، فأكب الناس عليه .

توفي الجعفي في هذه السنة .

1110 - الحسين بن الوليد ، أبو عبد الله القرشي النيسابوري .

سمع ابن جريج ، وابن أبي ذئب ، ومالك بن أنس وابن لهيعة ، والثوري ، والحمادين .

روى عنه: أحمد بن حنبل ، وابن راهويه ، ويحيى بن يحيى ، وكان ثقة فقيها قارئا للقرآن ، قرأ على الكسائي ، وكان يغزو الترك في كل ثلاث سنين ويحج في كل خمس وكان له مال ، وكان سخيا ، وكان يقول: من تعشى عندي فقد أكرمني .

توفي في هذه السنة ، وقيل في التي قبلها .

1111 - خزيمة بن خازم النهشلي القائد .

كان له تقدم ومنزلة عند الخلفاء ، ودرب خزيمة ببغداد ينسب إليه ، وقد أسند الحديث عن ابن أبي ذئب .

توفي في شعبان هذه السنة بعد أن عمي .

[ ص: 119 ] 1112 - زيد بن الحباب بن الريان ، أبو الحسن التيمي العكلي [الكوفي] .

سمع مالك بن مغول ، وسفيان الثوري ، وشعبة ، ومالك بن أنس ، وابن أبي ذئب .

روى عنه: يزيد بن هارون ، وأحمد بن حنبل ، وقال فيه: كان صاحب حديث كيسا صدوقا ، وقد رحل إلى مصر وخراسان في الحديث ، وما كان أصبره على الفقر .

توفي في هذه السنة .

1113 - عمرو بن شعيب أبو داود الجفري ، وجفر موضع .

أخبرنا ابن ناصر قال: أنبأنا الحسن بن أحمد قال: أخبرنا أبو محمد الخلال قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب قال: قرأت على أبي بكر محمد بن أحمد بن جعفر القاضي ، حدثكم محمد بن العباس المستملي قال: حدثنا أبو بكر المروزي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: رأيت أبا داود الجفري وعليه جبة مخرقة قد خرج القطن منها يصلي بين المغرب والعشاء وهو يترجج من الجوع ، وبلغني عن عباس الدوري قال: لو رأيت أبا داود لرأيت رجلا كأنه أطلع على النار فرأى ما فيها .

أسند أبو داود عن الثوري وغيره .

وتوفي في هذه السنة .

1114 - علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - أبو الحسن الرضي .

سمع أباه ، وعمومته ، وغيرهم ، وكان يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن نيف [ ص: 120 ] وعشرين سنة ، وكان المأمون قد أمر بإشخاصه من المدينة ، فلما قدم نيسابور [خرج] وهو في عماريه على بغلة شهباء فخرج علماء البلد في طلبه [مثل] يحيى بن يحيى ، وإسحاق بن راهويه ، ومحمد بن رافع ، وأحمد بن حرب ، وغيرهم . فأقام بها مدة ، والمأمون بمرو إلى أن أمر بإخراجه إليه ، وجعله ولي عهده على ما سبق ذكره ، فلما رأوا أن الخلافة قد خرجت إلى أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه سقوا علي بن موسى . فتوفي بطوس في قرية يقال لها سناباذ في رمضان هذه السنة .

فقال الصولي : ومدحه أبو نواس فقال:


قيل لي أنت واحد الناس في كل ل كلام من المقال بديه     لك في جوهر الكلام بديع
يثمر الدر في يدي مجتنيه     فعلى من تركت مدح ابن موسى
والخصال التي تجمعن فيه     قلت لا أهتدي لمدح إمام
كان جبريل خادما لأبيه

1115 - محمد بن بكر ، أبو عثمان ، وقيل: أبو عبد الله البصري البرساني ، وبرسان من الأزد .

سمع ابن جريج ، وسعيد بن أبي عروبة ، وشعبة . وقدم بغداد وحدث بها فروى عنه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهما . وقال يحيى : كان ثقة ظريفا .

وتوفي بالبصرة في ذي الحجة من هذه السنة وقيل: في سنة أربع .

1116 - محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو جعفر ، ويعرف: بالديباج لقب به لحسن وجهه ، وهو أخو إسحاق وموسى وعلي بن جعفر [ ص: 121 ] حدث عن أبيه ، روى عنه جماعة وكان محمد قد خرج بمكة في أيام المأمون ، ودعا إلى نفسه فبايعه أهل الحجاز وتهامة بالخلافة يوم الجمعة لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة مائتين ، فلم يزل يسلم عليه بالخلافة منذ بويع إلى يوم الثلاثاء خامس جمادى الأول . فحج بالناس المعتصم ، وبعث إليه من حاربه وقبض عليه ، وأورده بغداد في صحبته ، والمأمون إذ ذاك بخراسان ، فوجه به إليه ، فعفا عنه ، ولم يمكث إلا يسيرا حتى توفي عنده ، فقيل إنه جامع وافتصد ودخل الحمام في يوم واحد ، فكان سبب موته .

أخبرنا [عبد الرحمن] القزاز قال: أخبرنا [أحمد بن علي بن] ثابت قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال: أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن العلوي قال: حدثنا جدي قال: كان محمد بن جعفر شجاعا عاقلا فاضلا ، وكان يصوم يوما . ويفطر يوما ، وكانت زوجته خديجة ابنة عبد الله بن الحسين تقول: ما خرج من عندنا في ثوب قط فرجع حتى يكسوه .

قال أبو محمد : وحدثنا جدي قال: حدثنا داود بن المبارك قال: توفي محمد بن جعفر بخراسان مع المأمون ، فركب المأمون لشهوده حتى دخل به القبر فلم يزل فيه حتى بني عليه ، ثم خرج فقام على القبر فدعا له عبد الله وقال: يا أمير المؤمنين ، إنك قد تعبت فلو ركبت فقال له المأمون : هذه رحم قطعت من مائتي سنة .

[ ص: 122 ] 1117 - مصعب بن المقدام ، أبو عبد الله الخثعمي الكوفي .

سمع مسعرا ، وسفيان الثوري ، روى عنه: أبو كريب ، وابن راهويه ، وكان ثقة [صدوقا] .

توفي في هذه السنة .

1118 - النضر بن شميل ، أبو الحسن المازني المروزي .

سكن مرو ، وسمع من ابن عون ، وعوف ، وشعبة ، وغيرهم . وكان راوية للشعر ، وله المعرفة بالنحو واللغة وأيام الناس .

توفي بخراسان [في هذه السنة] .

أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون قال: أخبرنا عبد الله بن محمد العلوي وأبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد قالا: أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله الهرواني قال: وحدثني أبو القاسم الحسن بن محمد السكوني قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي قال: وحدثني الزبير بن بكار قال: حدثني النضر بن شميل قال: دخلت على المأمون بمرو وعلي أطمار مترعبلة؟ فقال لي: يا نضر تدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب ، فقلت: يا أمير المؤمنين إن حر مرو لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق فقال: لا ولكنك متقشف ، فتجارينا الحديث .

فقال المأمون : حدثني هشيم بن بشير ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان ذلك سداد من عوز" [قلت: صدق فوك عن هشيم يا أمير المؤمنين ، حدثني عوف الأعرابي عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تزوج الرجل إلى المرأة لدينها وجمالها كان [ ص: 123 ] في ذلك سداد من عوز" . وكان المأمون متكئا] فاستوى المأمون جالسا وقال: السداد لحن يا نضر ، قلت: نعم ها هنا ، وإنما لحن هشيم وكان لحانة ، فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السداد: القصد في الدين والسبيل . والسداد: البلغة ، وكلما سددت به شيئا فهو سداد قال: فتعرف العرب ذلك ، قلت: نعم ، هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان يقول:


أضاعوني وأي فتى أضاعوا     ليوم كريهة وسداد ثغر

قال: فأطرق المأمون مليا ثم قال: قبح الله من لا أدب له ، ثم قال: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب ، قلت: قول ابن بيض يا أمير المؤمنين في الحكم بن مروان :


تقول لي والعيون هاجعة     أقم علينا يوما فلم أقم
أي الوجوه انتجعت قلت لها     لأي وجه إلا إلى الحكم
متى يقل حاجبا سرادقه     هذا ابن بيض بالباب يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلا     فهات إذ حل أعطني سلمي

قال المأمون لله درك لكأنما شق لك عن قلبي أنشدني أنصف بيت قالته العرب ، قلت قول ابن أبي عروبة [المديني] :


إني وإن كان ابن عمي غائبا     لمزاحم من خلفه وورائه
ومفيده نصري وإن كان امرأ     متزحزحا في أرضه وسمائه
وأكون واري سره فأصونه     حتى يحن علي وقت أدائه
وإذا الحوادث أجحفت بسوامه     قربت صحيحهما إلى جريانه

[ ص: 124 ]


وإذا دعى باسمي لأركب مركبا     صعبا قعدت له على سيسائه
وإذا أتى من وجهه بطريقه     لم أطلع مما وراء خبائه
وإذا ارتدى ثوبا جميلا لم أقل     يا ليت أن علي فضل ردائه

قال: أحسنت يا نضر ، أنشدني الآن أقنع بيت للعرب ، فأنشدته قول ابن عبدل :


إني امرؤ لم أزل وذاك من     الله أديب أعلم الأدبا
أقيم بالدار ما اطمأنت بي الدار     وإن كنت نازحا طربا
لا أجتري خلة الصديق ولا     أنفع نفسي شيئا إذا ذهبا
أطلب ما يطلب الكرام من الر     زق بنفسي وأجمل الطلبا
وأحلب الترة الصفي ولا     أجهد أخلاف غيرها حلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا     رغبته في صنيعه رغبا
والعبد لا يطلب الفلاة ولا     يعطيك شيئا إلا إذا رهبا
مثل الحمار الموقع السوء لا     يحسن مشيا إلا إذا ضربا
ولم أجد عروة الخلائق إلا     الدين إذ اخترت والحسبا
قد يرزق الخافض المقيم وما     شد لعيس رحلا ولا قتبا
ويحرم الرزق ذو المطية و     الرحل ومن لا يزال مغتربا

قال: أحسنت ما شئت يا نضر فعندك ضد هذا ، قلت: نعم أحسن منه قال: هات ، فأنشدته:


يد المعروف غيم حيث كانت     تحملها كفور أو شكور

قال: أحسنت يا نضر ، فكتب شيئا لا أدري ما هو ، ثم قال: كيف تقول: [ ص: 125 ] أفعل من التراب ؟ قلت: أترب قال: والطين ، قلت: أطين ، قال: والكتاب ماذا؟ قلت: مترب ومطين . قال هذه أحسن من الأولى ، وكتب لي بخمسين ألف درهم ، ثم أمر الخادم أن يأتي به الفضل بن سهل ومضيت معه [فلما قرأ الكتاب] قال: لحنت أمير المؤمنين [يا نضر ] قلت: كلا ولكن هشيما لحانه . فأمر لي بثلاثين ألف درهم ، فخرجت إلى منزلي بثمانين ألف درهم . [ ص: 126 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية