باب
ذكر خلافة المعتز بالله
واسمه:
محمد بن المتوكل ، وقيل اسمه:
الزبير ويكنى: أبا عبد الله ، وكان طويلا ، أبيض ، أسود الشعر كثيفه ، حسن الوجه والعينين والجسم ، ضيق الجبهة ، أحمر الوجنتين ، ولد
بسامراء وبقي منذ بويع أربع سنين وبعض أخرى ، ولما بويع
المعتز أمر للناس برزق عشرة أشهر فلم يتم المال ، فأعطوا رزق شهرين ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين خلف
بسامراء مالا قدم عليه به نحوا من خمس مائة ألف ، وكان في بيت مال
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين ألف ألف دينار ، وفي بيت مال
العباس بن المستعين ستمائة ألف ، وأحضر للبيعة
أبو أحمد بن الرشيد محمولا في محفة وبه نقرس ، فأمر بالبيعة ، فامتنع وقال
للمعتز: خرجت إلينا خروج طائع فخلعتها وزعمت أنك لا تقوم بها . فقال
المعتز: أكرهت على ذلك ، وخفت السيف . فقال
أبو أحمد: ما علمنا أنك أكرهت ، وقد بايعنا هذا الرجل ، أفتريد أن نطلق نساءنا ، ونخرج من أموالنا ، ولا ندري ما يكون إن تركتني على أمري حتى يجتمع الناس ، وإلا فهذا السيف ، فقال
المعتز: اتركوه .
فرد إلى منزله وبايع جماعة ، ثم صار إلى
بغداد ، وولى
المعتز العمال .
وبلغ الخبر
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين ، فأمر
محمد بن عبد الله بن طاهر بتحصين
بغداد ، فأدير عليها السور من
دجلة إلى
باب الشماسية ، ثم سوق الثلاثاء ، ورتب على كل باب قائد ،
[ ص: 44 ] وأمر بحفر الخنادق ، فبلغت النفقة ثلاثمائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار ، ونصبت المجانيق والعرادات ، وفرض لقوم من العيارين فروضا ، وجعل عليهم عريفا ، وعمل لهم تراسا من البواري المقيرة ، ومخالي يملؤها حجارة ، وأنفق على [تلك] البواري مائة [ألف] دينار ، وأمر بقطع الميرة عن
سامراء ، وكتب إلى العمال أن يحملوا الأموال إلى
بغداد ، ثم أمر
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين أن يكتب إلى الأتراك ، والجند الذين
بسامراء يأمرهم بنقض بيعة
المعتز ، ومراجعة الوفاء له ببيعتهم ، ثم جرت بين
المعتز وبين
ابن طاهر مراسلات ، يدعوه
المعتز إلى خلع
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين ومبايعته ، وكتب
المعتز والمستعين إلى
موسى بن بغا وهو مقيم بأطراف
الشام ، كل يدعوه إلى نفسه ، فانصرف إلى
المعتز وكان معه ، وقدم
عبد الله بن بغا الصغير إلى
بغداد على أبيه ، وكان قد تخلف
بسامراء حين خرج أبوه منها مع
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين ، فصار إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين واعتذر إليه ، وقال لأبيه: إنما قدمت إليك لأموت تحت ركابك ، فأقام
ببغداد أياما .
ثم إنه استأذن ليخرج إلى قرية بقرب
بغداد على طريق
الأنبار ، فأذن له ، فأقام فيها إلى الليل ، ثم هرب من تحت الليل ، فمضى في الجانب الغربي إلى سامراء مجانبا لأبيه ، واعتذر إلى
المعتز من مصيره إلى
بغداد ، فأخبر
المعتز [أنه] إنما صار إليها ليعرف أخبارهم فيخبره بها ، فقبل ذلك منه ورده إلى خدمته .
وورد
الحسن بن الأفشين إلى
بغداد ، فخلع عليه
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين وضم إليه جماعة
[ ص: 45 ] كثيرة ، وزاد في رزقه ستة عشر ألف درهم من كل شهر ، ولم يزل
أسد بن داود مقيما
بسامراء إلى أن عمل على الهرب منها ، فدخل على
ابن طاهر فضم إليه مائة فارس ومائتي راجل ، ووكله
بباب الأنبار مع
عبيد الله بن موسى بن خالد .
وعقد
المعتز لأخيه
أبي أحمد بن المتوكل يوم السبت لسبع بقين من المحرم في هذه السنة على حرب
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين وابن طاهر وولاه ذلك ، وضم إليه الجيش ، وجعل إليه الأمر والنهي ، فوافى
حسن بن الأفشين مدينة
[بغداد] ، ثم وافى
أبو أحمد وعسكر بالشماسية ليلة الأحد لسبع خلون من صفر ، وجاء جاسوس إلى
ابن طاهر لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر ، فأخبره أن
أبا أحمد قد عبأ قوما يحرقون طلال الأسواق من جانبي
بغداد ، فكشطت في ذلك اليوم ، فلما كان في ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر عزم
محمد بن عبد الله بن طاهر على توجيه الجيوش إلى القفص ليعرضهم هناك ، فذهب به الأتراك ، فركب وركب معه
وصيف وبغا ، وخرج معه الفقهاء والقضاة ، وعزم على دعائهم إلى الرجوع إلى الحق ، وبعث يبذل لهم الأمان على أن يكون
أبو عبد الله ولي العهد بعد
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين ، فإن قبلوا وإلا باكرهم القتال يوم الأربعاء .
فمضى نحو باب قطربل ، فنزل على
شاطئ دجلة هو
ووصيف وبغا ، ثم رجع وجاء الأتراك إلى
باب الشماسية فرموا بالسهام والمجانيق والعرادات ، وكان بينهم قتلى وجرحى ، وانهزم عامة
أهل بغداد ، وثبت أهل البواري ، ثم انصرف الفريقان وقد نسا ووافى للقتل والجراح .
ثم وجه
المعتز عسكرا كبيرا فضربوا بين
قطربل وقطيعة أم جعفر ، وذلك عشية الثلاثاء لاثنتي عشرة بقيت من صفر فلما أصبحوا وجه
ابن طاهر جيشا فالتقوا فاقتتلوا ،
[ ص: 46 ] فوضعوا في أصحاب
أبي أحمد السيوف فلم ينج إلا أقلهم ، وانتهبوا عسكرهم ، وأمر
ابن طاهر لمن أبلى في هذا اليوم بالأسورة ، وأعطى من جاءه برأس تركي خمسين درهما ، وطلبت المنهزمة فبلغ بعضهم
أوانا وبعضهم
سامراء .
وكان عسكر الأتراك يومئذ أربعة آلاف فقتل بينهم ألفان ، ووضع فيهم السيف من باب القطيعة إلى القفص ، وغرق جماعة ، وأسر جماعة .
ووافى عيارو
بغداد قطربل ، فانتهبوا ما تركه الأتراك من متاع ، وأشير على
ابن طاهر أن يتبعهم بعسكر ، فأبى أن يتبع موليا ، ولم يأمر أن يجهز على جريح ، وقبل أمان من أستأمن ، وأمر أن يكتب كتاب يذكر فيه هذه الوقعة ، فقرئ [على
أهل] بغداد في الجوامع .
وركب
محمد بن عبد الله بن طاهر يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من صفر إلى الشماسية ، فأمر بهدم ما وراء سور
بغداد من الدور والحوانيت والبساتين ، وقطع النخل والشجر من
باب الشماسية لتتسع الناحية على من حارب فيها ، ووجه من ناحية
فارس والأهواز مالا إلى
بغداد [على] نيف وسبعين حمارا ، فوجه
أبو أحمد بن بابك في ثلاثمائة فارس ليأخذ ذلك المال ، فوجه
ابن طاهر من عدل به عن الطريق ، ففات
ابن بابك ، فعدل
ابن بابك حين فاته المال إلى
النهروان ، فأوقع بمن كان فيها من الجند ، وأحرق السفن ، وانصرف إلى
سامراء ، ورأى العوام
بسامراء ضعف
المعتز ، فانتهبوا
[ ص: 47 ] سوق الحلي والسيوف والصيارفة .
ولليلة بقيت من صفر صار الأتراك والمغاربة أصحاب
المعتز إلى أبواب
بغداد من الجانب الشرقي ، فأغلقت الأبواب في وجوههم ورموا بالسهام والمجانيق ، فقتل وجرح من الفريقين جماعة .
وجاء عسكر من
سامراء ، فركب
محمد بن عبد الله ومعه أربعة عشر قائدا من قواده ، فسار حتى جاز عسكر
أبي أحمد ، وقتل من عسكر
أبي أحمد أكثر من خمسين ، وخرج غلام لم يبلغ الحلم بيده مقلاع ومخلاة فيها حجارة ، وكان يرمي فلا يخطئ وجوه الأتراك ووجوه دوابهم ، وكان الأتراك يرمونه فلا يصيبونه ، فجاء أربعة بالرماح فحملوا عليه فرمى نفسه إلى الماء فنجا .
وحمل إلى
سامراء سبعون أسيرا ومائة وأربعون رأسا ، وأمر المعتز بالرؤوس فدفنت ، وأعطى كل أسير دينارين ، ونهاهم عن العود إلى القتال .
وبعث
ابن طاهر إلى
المدائن من حصنها ، وحفر
خندق كسرى ، وإلى
الأنبار من ضبطها ، فجاءت الأتراك إلى
الأنبار ، فهرب واليها فدخلوا فانتهبوا ما فيها .
وفي النصف من رجب اجتمع بنو هاشم
ببغداد ، فوقفوا بإزاء
محمد بن عبد الله فتناولوه بالشتم القبيح ، وقالوا وصاحوا بالمستعين: قد منعنا أرزاقنا والأموال تدفع إلى من لا يستحقها ، ونحن نموت جوعا ، فإن وقع لنا بها وإلا فتحنا الأبواب وأدخلنا الأتراك . فبعث إليهم من رفق بهم [فأبوا] .
[ ص: 48 ]
وفي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان كانت وقعة بين الأتراك وبين
ابن طاهر ، وذلك أن الأتراك نقبوا السور ووافوا
باب الأنبار فأحرقوه بالنار ، وأحرقوا ما كان بقي من المجانيق والعرادات ، ودخلوا
بغداد حتى صاروا إلى
باب الحديد ، فركب
ابن طاهر ووجه القواد ، وشحن الأبواب بالرجال ، وركب
وصيف وبغا والتقوا بالأتراك ، فهزموا الأتراك ، وسد
باب الأنبار بآجر وجص ، وكان في هذا اليوم حرب شديدة
بباب الشماسية .
وفي ذي القعدة: كانت
وقعة شديدة لأهل بغداد ، وهزموا فيها الأتراك ، وانتهبوا عسكرهم ، فراسل
ابن طاهر المعتز في الصلح ، فقال الناس: إنما تريد أن تخلع
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين وتبايع
المعتز . فشتموه ، ولقي منهم شدة حتى أشرف عليهم المستعين ومعه
ابن طاهر ، وحلف لهم أني ما أتهمه ، فكان
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين مقيما في دار
ابن طاهر ، فانتقل إلى دار
رزق الخادم بالرصافة من أجل أن العوام أرادوا إحراق دار
ابن طاهر ، وأغلقت أبواب
بغداد على أهلها ، فصاحوا: الجوع ، ولم يزل
محمد بن عبد الله بن طاهر جادا في نصرة
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين إلى أن قال له جماعة: إن هذا الذي تنصره أمر
وصيفا وبغا بقتلك فلم يفعلا . فتنكر له .
ثم ركب إليه في ذي الحجة فناظره في الخلع ، فامتنع ، وظن
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين أن
بغا ووصيفا معه ، فكاشفاه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين: هذه عنقي والسيف والنطع . ثم انصرف
ابن [ ص: 49 ] طاهر ، فبعث إليه
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين يقول: اتق الله ، فإن لم تدفع عني فكف عني . فقال: أما أنا فأقعد في بيتي ، ولكن لا بد من خلعها طائعا أو مكرها .
فلما رأى
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين ضعف أمره أجاب إلى الخلع فوجه
ابن طاهر إلى
أبي أحمد كتابا بأشياء سألها
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين حتى يجيب إلى الخلع ، فأجابه إلى ما سأل ، وكان في سؤاله: أن ينزل إلى
مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويكون مضطربه فيما بين
مكة والمدينة ، فأجيب ، وذلك لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة .
فلما كان يوم السبت لعشر بقين من ذي الحجة ركب
محمد بن عبد الله إلى
الرصافة ، وجمع القضاة ، فأدخلهم على
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين فوجا فوجا ، وأشهدهم عليه أنه قد صير أمره إلى
محمد بن عبد الله ، وأعد للخروج إلى
المعتز في الشروط التي اشترطها
nindex.php?page=showalam&ids=15225للمستعين ولنفسه ولقواده ، فخرجوا إلى
المعتز ، فوقع على ذلك بخطه .
وفي هذه السنة:
تحركت العلوية في النواحي فخرج الحسين بن زيد بن محمد على طبرستان ، وخرج
بالري علي بن جعفر بن حسين بن علي بن عمر ، وخرج
الحسن بن أحمد الكوكبي فسار إلى
الديلم .
وخرج
بالكوفة رجل من الطالبيين يقال له:
الحسين بن محمد بن حمزة بن [ ص: 50 ] عبد الله بن حسين بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ، وتبعه جماعة كثيرة ، فبعث إليه قائدا فأسره وحبسه وأحرق
بالكوفة ألف دار .
وظهر
إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب بمكة ، فهرب
جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى العامل على
مكة ، فانتهب
إسماعيل منزل
جعفر ومنازل أصحاب السلطان ، وقتل الجند وجماعة من
أهل مكة ، وأخذ ما في الكعبة من المال ، وما في خزائنها من الطيب والكسوة ، وما حمل لإصلاح القبر من المال ، وأخذ من الناس نحوا من مائتي ألف دينار ، وانتهب
مكة ، وأحرق بعضها .
ثم خرج بعد خمسين يوما إلى
المدينة ، فتوارى عاملها
علي بن الحسين بن إسماعيل ، ثم رجع
إسماعيل إلى
مكة في رجب ، فحاصرها حتى مات أهلها جوعا وعطشا ، وبلغ الخبز ثلاث أواق بدرهم ، واللحم رطل بأربعة دراهم ، وشربة ماء ثلاثة دراهم ، ولقي
أهل مكة كل بلاء .
ثم رحل بعد سبعة وخمسين يوما إلى جدة ، فحبس عن الناس الطعام ، وأخذ أموال التجار وأصحاب المراكب ، وحمل إلى
مكة الحنطة والذرة من
اليمن ، ثم وافى الموقف يوم عرفة ، وهناك ولاه
nindex.php?page=showalam&ids=15225المستعين ، فقتل نحو ألف ومائة من الحاج ، وسلب الناس ، فهربوا إلى
مكة ولم يقفوا بعرفة ليلا ولا نهارا ، ووقف هو وأصحابه ، ثم رجعوا إلى
جدة فأفنى أموالها .
[ ص: 51 ]